مقالات

بيار عقيقي – الحرب العالمية الثالثة؟

ءلكل شيءٍ في الدنيا وجهان، إيجابي وآخر سلبي، ولا يمكن أن تستقيم أمور المجتمعات ما لم تكن هناك سيطرة من الوجه الإيجابي على الوجه السلبي، أو نصل إلى الحائط المسدود. بعد انتهاء الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، وسقوط الاتحاد السوفييتي، باتت فكرة “التجمعات المالية” التي تتخطّى الروادع السياسية، وتتصرّف وفقاً لحسابات جيوبوليتيكة بحتة، هي المسيطرة على العالم، ومنها الاتحاد الأوروبي في أوروبا، و”ميركوسور” في أميركا الجنوبية، و”آسيان” في جنوب شرقي آسيا، وهلمّ جرا. هدفت كل تلك التجمعات إلى بناء مساحة أمان اقتصادية واجتماعية إلى حدٍّ ما، تتيح للعالم الخروج من دائرة القطبين، الأميركي والسوفييتي، إلى رحب الفضاءات الضيقة، وعليه تنطلق منه للتعامل مع فضاءات مماثلة في العالم.

ما يحصل اليوم، وبعد نحو 27 عاماً على النشوء العملي، لا النظري، لتلك التجمعات، هو أنها وصلت إلى الحائط المسدود في كثير من جزئياتها، ما يهدّد بالاصطدام الكلي بالحائط في مرحلةٍ لاحقةٍ، ما لم تُعالج مسبّبات الأزمات الحالية. الحلول اليوم لتلك المشكلات تدخل من الاتحاد الذي تنتمي إليه الدولة التي تعاني من أزمةٍ اقتصاديةٍ لنجدتها، كما في الحالة اليونانية، أما في حالة عجز الاتحاد عن التدخل، أو أن دوله دخلت دوامةً من الأزمات المالية المتلاحقة، فيتدخل صندوق النقد الدولي، كما في حالة الأزمة المالية الآسيوية عام 1997.

الآن، في حالة الدويلات، التي لا يستطيع اتحاد إقليمي نجدتها، كالأرجنتين، والدويلات غير المنتمية لأي اتحاد، فتصبح في أمسّ الحاجة إلى حلولٍ طارئةٍ وعالمية، أي عبر تدخّل صندوق النقد. وتدخّل صندوق النقد بشروطه يعني أن الدولة غير السليمة ستخضع لمتطلباته، وتسعى إلى إجراء سلسلة إصلاحات، قد لا تلائم هيكلها، ما يؤدي حكماً إلى مزيد من الاستدانة، وتحويل قطاعات عامة إلى قطاعات خاصة.

في الاصطدام التركي أخيرا مع الولايات المتحدة، وتدهور العملة التركية، أكثر من درس. يبدأ في شكل العالم الاقتصادي بحدّ ذاته، والمعتمد أساساً على السوق المفتوح، مع ضوابط لا تحمي الصغار، وهو عنصر سيؤدي حتماً في مكان ما إلى تصادم عسكري، كما حصل في الحربين العالميتين الأولى (1914 ـ 1918) والثانية (1939 ـ 1945)، وبموجبهما نشأت عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة، اللتان أُريد لهما لعب دور تسووي في أي أزمةٍ سياسية، لا اقتصادية. بالتالي، فإن مرحلة تراجع الاتحادات الإقليمية تستوجب نشوء أمم متحدة اقتصادية، بعيداً عن صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، فالعالم اليوم متاجر كبرى تستولي على حوانيت صغرى، باسم العولمة التي لا تمنح الحقوق العملية لأصحاب الحوانيت.

في عالم اليوم، تستوجب دراسة الأسواق والديمغرافيا أكثر من أي وقتٍ مضى، لمنع اللجوء الفقير إلى الدول الغنية من جهة، ولتنمية الدول الفقيرة من جهةٍ أخرى، بما يسمح بضرب فكرة ولادة أجيال فقيرة تنساق إلى الإرهاب، باسم “الحاجة إلى الأموال”. العملية غير مكلفة عالمياً، لكنها لن تحصل بموجب عالم اليوم وأسياده. بالتالي، فإن الصدامات الاقتصادية والتجارية الحالية مؤشر خطر للانزلاق إلى حربٍ عالمية، بحجّة “حماية الحدود الاقتصادية القومية لكل دولة”، خصوصاً إذا انعدمت سبل البحث عن فضاءاتٍ أخرى، لتسييل الأموال وفتح الأسواق.

ما هو دور الولايات المتحدة في هذا الصدد؟ الأميركيون قادرون، لكونهم أكبر اقتصاد عالمي، على التحكم في كثير من حركيته، وأساساً، عبر الرئيس دونالد ترامب، وضعوا الخطط لمسارات أكثر قطبيةً، تسمح بسقوط الفضاءات الإقليمية لمصلحة قطبٍ، وهو القطب الأميركي. ما يعني حكماً أن الاستمرار في هذه السياسة سيفضي إلى تصادم عسكري في مكان ما من العالم. والمجموعات أو الدول التي تواجه هذه القطبية تسعى حالياً، بإمكاناتها المالية، إلى الحدّ من أضرارها، إلا أنها وعلى المدى البعيد ستضطر إلى مواجهة الأميركيين. وهنا نعود إلى عامي 1914 و1939.

المصدر : العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى