منذ بدايتها كانت أزمة اللاجئين السوريين في لبنان عرضة للتسييس والتأويل. انعكس الصراع الداخلي اللبناني تجاه الثورة السورية على وضع اللاجئين أو النازحين من سورية. في تركيا والأردن هناك قوانين ترعى وضع السوريين وتنظم حركتهم وحقوقهم الأساسية. أما في لبنان فهناك باب مفتوح وسياسة عدم إقامة المخيمات. لكن سياسة الباب المفتوح سرعان ما أثبتت أنها كابوس لأن السوريين لم يُعترف بهم قانونياً كلاجئين. سمحت الحكومة اللبنانية للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتسجيل اللاجئين وتوفير بعض الدعم الإنساني الأساسي. لكن مع تطور الأزمة، ألمّ التعب بالحكومة فسعت بحلول عام 2015 إلى إغلاق الحدود وطلبت من المفوضية وقف تسجيل اللاجئين. خطاب السياسيين اللبنانيين تجاه اللاجئين تغير بشكل كبير في 2016، ثم في الفترة التي سبقت الانتخابات البرلمانية هذا العام، تم تأجيج التوترات المتصاعدة والتركيز على اللاجئين كسبب وراء زيادة البطالة وعدم الاستقرار.
لكن الأحداث الأخيرة المتعلقة بالعودة المحتملة للاجئين إلى سورية أثبتت مدى خطورة تسييس هذا الملف. في نيسان (أبريل) الماضي، أعاد رئيس الوزراء سعد الحريري التأكيد على التزام لبنان تجاه المجتمع الدولي بمواصلة استيعاب اللاجئين السوريين خلال مؤتمرات سيدر وبروكسل 2. غير أن وزير الخارجية باسيل تحدى هذا الموقف وأمر بتجميد تصاريح الإقامة لموظفي المفوضية، وهدد باتخاذ المزيد من الإجراءات ضد المفوضية، متهماً الوكالة بإعاقة عودة اللاجئين إلى سورية.
في الوقت الحاضر، أمام اللاجئين ثلاثة خيارات للعودة: بدأ الأمن العام بتسهيل عودة مئات السوريين بالتنسيق مع المفوضية. فتح حزب الله مراكز لتنظيم عودة اللاجئين بالتنسيق مع النظام السوري. ظهرت ما يشير الى صفقة بين الولايات المتحدة وروسيا لتسهيل عودة عدد كبير منهم من دون مفاوضات مباشرة بين الحكومة اللبنانية ونظام الأسد. هذه شبه خيارات متاحة للسوريين في لبنان، لكنها تواجه مخاطر سياسية، سواء في لبنان أو في سورية.
هذه المخاطر تنبع أولاً من القضايا السياسية المتنازع عليها بين الأطراف اللبنانية. تشمل تلك القضايا السؤال حول نوع العلاقات التي يجب على لبنان اتباعها مع نظام الأسد. في حين أن حزب الله والتيار الوطني الحر في طليعة الداعمين لإقامة علاقات ديبلوماسية رسمية، فإن تيار المستقبل وسواه يعارض العلاقات التطبيعية مع ما يعتبرونه نظاماً قاتلاً. هناك خطر سياسي آخر يتعلق بتعريف ما يشكل مناطق آمنة في سورية. موقف المفوضية هو أنه لا توجد مناطق آمنة بعد، لكن وزير الخارجية اللبناني ذكر مراراً وتكراراً بأن البلاد آمنة بما فيه الكفاية لعودة اللاجئين. إن الأمن والسلامة داخل لبنان متنازع عليهما أيضاً مع تزايد صعوبات الحياة بالنسبة للسوريين الذين يواجهون ظروفاً تمييزية. لقد ساهمت الظروف الاقتصادية المتفاقمة في تعاظم الخطاب السياسي ضد اللاجئين السوريين. فكيف يمكن اختبار خيار العودة طوعاً حينما يواجه السوريون أصعب الظروف في لبنان حيث لا يمكنهم التنقل والعمل والدراسة بحرية؟ ويزيد في تعقيد حق العودة أن في لبنان ناشطين وناشطات سوريين شاركوا في الانتفاضات الثورية ضد النظام السوري، وهم الآن إن عادوا سيواجهون مصيراً محتملاً من الاحتجاز والتعذيب والقتل، كما حدث للآلاف غيرهم.
فلا يمكن بالتالي التعاطي مع ملف النازحين من دون التطرق إلى السياسة. وإن استطاع لبنان التهرب من تداعيات الأزمة نسبياً حتى الآن فإنه لن يستطيع إدارة ملف العودة من دون اتخاذ تدابير فورية لمعالجة الأزمة السياسية والمؤسسية. فعلى لبنان تطوير استراتيجية وطنية لحماية اللاجئين ودعم المجتمعات المضيفة لجهة حمايتهم، وأن تتضمن الإستراتيجية إنشاء هيئات محلية لمراقبة الوضع بين المجتمعات المضيفة واللاجئين لردع أي عمل محتمل من التمييز والعنف. يحتاج لبنان أيضاً إلى استراتيجية لمعالجة وضع السوريين في لبنان الذين شاركوا بنشاط في الانتفاضة ضد نظام الأسد. فالسوريون في لبنان ليسوا كياناً واحداً، وقد يحتاج بعض السوريين إلى تدابير إضافية للحماية، وعلى لبنان إصدار توجيهات واضحة بشأن اللجوء وإعادة التوطين. ومن الناحية المؤسسية، على الحكومة اللبنانية أن تنشئ آلية لتعزيز التنسيق المؤسسي لعودة اللاجئين.
ولمواجهة تهديدات السياسة وحق العودة، تحتاج الحكومة اللبنانية إلى إضفاء الطابع الرسمي على موقفها تجاه اللاجئين. السياسات المراوغة والبيانات المتناقضة تضع اللاجئين واستقرار لبنان في خطر. هناك حاجة فورية للحكومة المقبلة لإصدار بيان ثابت تجاههم، فإذا استمرت الحكومة اللبنانية الموعودة بسياسة غير متناسقة تنتهك حقوق الإنسان الأساسية، فإن السوريين لن يكونوا وحدهم الذين يعانون. لقد أفسدت الحكومات السابقة ما يكفي، واستطاع لبنان أن يظل مستقراً إلى حد ما. ولكن قد لا تكون البلاد «محظوظة» في المرحلة التالية ما لم تتم معالجة الأسباب الجذرية السياسية من خلال إستراتيجية واضحة تترافق مع حملات لمناهضة العنصرية والتمييز والقمع داخل المجتمع اللبناني وتجاه السوريين في آنٍ.
المصدر : الحياة