لم يقف سوريون قذفتهم الصراعات الداخلية في بلادهم نحو تركيا، مكتوفي الأيدي، في انتظار لجان الأمم المتحدة لتسجيلهم في دفاتر اللاجئين واستجداء المعونات. وتمكن العديد من أرباب العمل السوريون والحرفيون، من تحويل مأساتهم إلى فرصة جديدة للعمل والاستثمار في تركيا، التي أصبحت نقطة عودة إلى بلادهم. ومع هذه الإرادة، عادت الصناعات والخدمات التركية المنتجة في تركيا، إلى المدن المحررة، مع ارتفاع تسجيل الشركات لسوريين في تركيا.
وألقت دراسة تركية حديثة، عرضت نتائجها في اسطنبول مطلع الأسبوع الجاري، الضوء على انتعاش الصادرات التركية إلى سوريا من جديد، بالرغم من قطع العلاقات مع النظام السوري.
وبحسب الدراسة الصادرة عن “منتدى الشرق” الفكري، وحصلت الأناضول على نسخة منها، بدأت أرقام حجم البضائع التركية، التي تفيض بها الأسواق السورية في المناطق المحررة، تزاحم تلك الأرقام التي كانت قبيل الثورة.
ويعد احتضان الاقتصاد التركي، لآلاف الحرفيين والصناعيين السوريين، نجاحاً للطرفين، بفضل البنية التحتية للاقتصاد المحلي، رغم الصعوبات التي تواجهها كافة الدول المستضيفة لـ اللاجئين.
فرص كبيرة
ويعتبر عامل السن لـ اللاجئين السوريين، أبرز الفرص التي يشكلها دمجهم في السوق بالنسبة للاقتصاد التركي.
ويشكل الشباب السوري المتواجد في تركيا، القادر على العمل، نسبة مرتفعة تصل إلى أكثر من 60%، أي مليون و637 ألفاً، من أصل مليونين و725 ألف سوري في تركيا.
ونجحت تركيا في استغلال ما عجزت عنه العديد من دول أوروبا، في تحويل أزمة اللاجئين إلى عامل إيجابي ومنتج، وإضافة جديدة للاقتصاد المحلي.
ومن إجمالي اللاجئين السوريين في تركيا، كان نحو 73% من الذكور يمارسون العمل في بلادهم قبل الحرب، و14% من الإناث ممن هم في نطاق سن العمل.
بالأرقام، يوجد 763 ألف سوري مؤهل وقادر على العمل في السوق التركي حالياً، بحسب الدراسة.
ونقلت إحصاءات تشير إلى أن نسبة المتعلمين جامعياً من بين اللاجئين السوريين، الذين سلكوا طرق الهجرة نحو أوروبا، بلغت 30%، أي أكثر من معدل الجامعيين في كثير من الدول الغربية، مثل ألمانيا.
وأرسلت الأرقام إشارات إيجابيةً، وشجعت الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للحديث في أكثر من مناسبة، عن فتح باب التجنيس للراغبين به من السوريين.
كان صندوق النقد الدولي طالب الدول الأوروبية المستضيفة لـ اللاجئين كألمانيا، بضرورة دمج اللاجئين السوريين في سوق العمل.
وأشار الصندوق في تقرير له حول الاقتصاد الألماني، في إبريل/نيسان الماضي، إلى أن الشيخوخة تؤثر سلباً على الاقتصاد الألماني وسوق العامل، داعياً لضرورة دمج اللاجئين والاستفادة من شبابهم.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أصدرت الحكومة التركية قراراً بتسهيل عملية دخول العمالة السورية إلى السوق المحلية.
وانعكس القرار إيجاباً على أعداد الحاصلين على أذون العمل، رغم الإبقاء على عدد من التحفظات في القرار.
وفي الفترة بين 2011 – 2015، حصل 7700 سوري على إذن العمل في تركيا، في حين حصل 5500 على الإذن منذ إصدار قرار يناير/كانون الثاني حتى إصدار التقرير في سبتمبر/أيلول.
ويشكل الوجود السوري في تركيا، دعماً كبيراً لحجم الطلب في السوق التركية، ما يعني ارتفاعاً في الاستهلاك والطلب.
وساهم مهاجرون سوريون إلى تركيا في تحريك عجلة الاقتصاد، من خلال نقل وإنشاء الشركات في تركيا.
ولا يمثل الأمر نقلاً لرؤوس الأموال، وعاملاً على إعادة الصادرات التركية إلى سوريا وحسب، بل يمثل نقلاً لشبكات العلاقات التجارية أيضاً.
تحديات واقعة
على صعيد مقابل، يعد تعلم السوريين اللغة التركية واحداً من أبرز التحديات التي تواجه عملية الدمج.
وذكرت الدراسة أن السلطات سعت بشكل حثيث لتعليم اللاجئين السوريين، إلا أن المخرجات كانت أقل من المأمول.
ففي إحدى المخيمات السورية في البلاد، تمكن 39 شخصاً فقط من اجتياز اختبار الكفاءة الأدنى في اللغة التركية، من أصل 25 ألف نسمة.
ويعد نقص المعلومات عن اللاجئين تحدياً آخر، وشهدت البلاد موجات كبيرة من اللجوء، لم تمنح السلطات الوقت الكافي لجمع كافة البيانات المطلوبة عن كل لاجيء، الأمر الذي سيتطلب تداركه وقتاً وجهداً كبيرين.
وتحدثت الدراسة عن تحديات أمنية وقانونية وتمويلية، علاوة على المعارضة التي تبديها أطراف سياسية في تركيا للعملية برمتها.
ولم تغفل الدراسة، ضعف الأداء الدولي في التعامل مع الأزمة، والتلكؤ في تحقيق الوعود المقدمة، للاجئين أو لتركيا، الأمر الذي تسبب بتفاقم الأزمة وتأخر القيام بخطوات عملية لمعالجتها.
وتختتم الدراسة، بضرورة عدم التعامل مع السوريين بأنهم “لاجئين مؤقتين”، لأن ذلك سيسهم في تفاقم الأزمة الإنسانية بالنسبة لهم، والاقتصادية بالنسبة لتركيا.