اتجهت أسعار الأدوية في مصر مؤخراً لصعود كبير، لتصبح خارج القدرة الشرائية لعديد الشرائح في المجتمع المحلي، بعد قرار تعويم الجنيه في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016.
وأدى قرار التعويم، إلى توقف شركات عديدة عن إنتاج أصناف دوائية أو استيرادها، بسبب ارتفاع تكلفتها وزيادة أسعارها للمستهلك النهائي.
وأعلنت مصر الخميس الماضي، عن زيادة أسعار 3 آلاف مستحضر، بينها نحو 300 مستحضراً معالجاً للأمراض المزمنة، بنسب تبدأ من 30% وتصل حتى 50%.
وقال وزير الصحة المصري “أحمد عماد” في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، إنه تم الاتفاق مع الشركات على تحريك أسعار 15% من الأدوية المحلية و20% من الأدوية الأجنبية (3 آلاف مستحضر)، من بين 12 ألف مستحضراً متداولاً في السوق.
وأكد الوزير أن “الدولة قررت محاسبة المتلاعبين في أسعار الدواء بعد إقرار التسعيرة الجديدة من خلال قانون التسعيرة الجبرية وقانون حماية المنافسة.
وأوضح أن العقوبة تصل إلى الحبس لمدة 5 سنوات، وغرامة تبدأ من 30 ألف جنيه (1550 دولار تقريباً) إلى 10 ملايين جنيهاً (550 ألف دولار تقريباً)، وتشمل العقوبة الممتنعين عن الإنتاج.
وفي حين وصف أسامة رستم، نائب رئيس غرفة الأدوية في اتحاد الصناعات المصرية (مستقل)، قرار رفع أسعار 25% من الأدوية المتداولة بالسوق، بأنه يصب أولا وأخيراً في مصلحة المريض، اعتبر آخرون يوم إعلان زيادة أسعار الدواء بأنه “أسود ويؤسس لوضع مأساوي يتطلب تدخلاً سريعاً من رئيس البلاد”.
وأضاف رستم، أن “القرار يفيد المريض المصري حيث سيسمح بتوفير الدواء بسعر مناسب، بدون معاناة من نقص الأدوية واللجوء إلى السوق السوداء بأسعار مغالى فيها”.
وأوضح أن صناعة الأدوية في مصر، معرضة لأزمات شديدة بسبب ارتفاع الدولار وتعويم الجنيه، لاعتمادها على استيراد الكثير من المواد الخام المستوردة.
كانت شركات الأدوية العاملة في مصر، تحظى بأولوية قبل التعويم للحصول على الدولار من البنك المركزي بالسعر الرسمي، وهو ما كان يعني تمتعها بسعر منخفض نسبياً مقارنة بغيرها من السلع، التي يضطر مستوردوها لشراء الدولار من السوق السوداء.
وكشف رستم، أن شركات الأدوية كانت لها مطالب برفع الأسعار بنسب أعلى من المعلنة، “لكنها توافقت مع وزير الصحة المصري على ما وصفه بالحد الأدنى لاستيراد المواد الخام وتوفير الأدوية، على أن يتبعها خطوات أخرى”، دون تحديدها يتم مناقشتها في الفترة المقبلة.
وقدّر فاتورة مصر لاستيراد الخامات والأدوية المصنعة، بنحو 2.6 مليار دولار سنوياً، “وحجم مبيعات الدواء تبلغ 50 مليار جنيه في السنة (2.77 مليار دولار).
وتستحوذ الشركات الأجنبية على 47% من السوق و10% للشركات الحكومية، والنسبة الباقية للقطاع الاستثماري (الخاص).
في المقابل، قال محمود فؤاد مدير المركز المصري للحق في الدواء (أهلي)، إن قرار رفع أسعار 25% من الأدوية بنسبة تصل إلى 50% “قاس ومزعج وصارخ، ويؤثر على مبدأ الحق في الدواء أحد أهم استحقاقات العدالة الاجتماعية التي نادت بها الثورة المصرية”.
وأشار فؤاد، إلى أن المريض المصري عانى الفترة الماضية للبحث عن الأدوية، دون أن يجدها بسبب ارتفاع اسعار الدولار أمام الجنيه.. “واليوم أصحاب المعاشات المتدنية هم الفئة الأكثر تضرراً من هذه الزيادات، بخلاف أكثر من 40 مليون غير مؤمن عليهم صحيا”.
وتبلغ المخصصات المقدرة لدعم الأدوية وألبان الأطفال في الموازنة العامة المصرية 600 مليون جنيه (33.3 مليون دولار) خلال العام المالي 2016/2017.
وانتقد أسامة عبد العظيم، عضو نقابة الصيادلة في مصر، قرار رفع أسعار الأدوية “بهذا الشكل المبالغ فيه والعشوائي، ويشكل عبئاً على المريض”.
وأضاف عبد العظيم للأناضول، أن القرار “يصب في مصلحة الشركات الكبرى التي تحقق أرباحاً كبيرة، على حساب الصيدليات والمرضى في ذات الوقت”.
وقال إن الوضع الأفضل أن “تقلل الشركات الكبيرة هامش الربحية، خاصة أن لديها مخزون كبير من الأدوية اشترته بسعر منخفض للدولار، مقابل أن تسمح للصيدليات أن تربح بشكل معقول، والحفاظ على استمراريتها والعمالة لديها، وتوفير الدواء بسعر مناسب للمريض”.
وبعدما دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في نهاية العام 2016، جموع المصريين إلى الصبر لستة أشهر قادمة حتى تتحسن الأوضاع، أكد الأسبوع الجاري على ضرورة تشديد الرقابة على الأسواق لضمان عدم المغالاة في أسعار الأدوية.
وأشار السيسي في بيان صادر عن الرئاسة، أن الدولة رفضت اقتراح زيادة جميع الأدوية دون استثناء، والاكتفاء بعد الاتفاق مع شركات الأدوية بتحريك أسعار حوالي 20% من أنواع الأدوية، وتنويع نسب الزيادات السعرية بحيث تتناسب مع الشرائح المختلفة لأسعار الأدوية.
ويقول خبراء اقتصاديون إن الأدوية لا تدخل ضمن المزيج السلعي الذي يستخدمه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، عند حساب التضخم الشهري أو السنوي.
وارتفع معدل التضخم السنوي في مصر إلى ثاني أعلى مستوى له منذ 1992، ليبلغ 24.3% في ديسمبر/ كانون الأول 2016، حسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي).