منذ منتصف الأسبوع الفائت لم يعد الحصول على المحروقات أمرا يسيرا في دمشق، حيث يتطلب الانتظار لساعات طويلة ودفع مبالغ طائلة مع توقف معظم محطات الوقود عن العمل وازدحام غير مسبوق أمام محطات أخرى.
ورغم أنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيها دمشق أزمة من هذا النوع فإن كثيرين يصفونها بأنها الأسوأ خلال سنوات الحرب الست، خاصة بترافقها مع انقطاعات طويلة للتيار الكهربائي.
ساعات الانتظار
“كنا نضطر أحيانا للانتظار لخمس أو ست ساعات للحصول على وقود للسيارات، لكنني يوم أمس وصلت إلى محطة المزة في السادسة صباحا لأخرج منها عند الرابعة عصرا”. بهذه الكلمات تحدث أبو زياد واصفا نهاية رحلته الطويلة تلك بأنها “انتصار”، إذ حصل على عشرين لترا من البنزين تكفيه لبضعة أيام.
أما بتول فقد قررت التوقف عن استخدام سيارتها لحين انفراج أزمة الوقود رغم ندرة وسائل النقل العامة وارتفاع أجرتها خلال الأيام الأخيرة.
وتقول بتول إنها اضطرت لدفع مئة ألف ليرة سورية (مئتا دولار) للحصول على مئتي لتر من المازوت للتدفئة، “وهو مبلغ لم يسبق لي أن دفعته لشراء المحروقات خلال السنوات الأخيرة، إلا أننا لم نعد نملك سوى اللجوء للأسواق السوداء للحصول على بعض الدفء الذي حرمنا منه بغياب الكهرباء”.
ورغم تأكيد وزارة النفط في حكومة الأسد بدء انفراج هذه الأزمة مع وصول التوريدات النفطية إلى موانئ البلاد بعد توقفها لنحو ثلاثة أشهر وتوزيع ما يقارب مليون لتر من المحروقات المستوردة على محطات دمشق وكميات أخرى لباقي المدن التي تعاني أزمات مماثلة فإن الانتظار لا يزال سيد الموقف.
خسائر قطاع النفط
وبحسب تصريحات لوزير النفط في حكومة الأسد الأسبوع الفائت، بلغت خسائر قطاع النفط المباشرة وغير المباشرة نحو 65 مليار دولار منذ العام 2011.
ومع تراجع الإنتاج النفطي في سوريا إلى حدود ثلاثة آلاف برميل يوميا (بعد أن كان يبلغ نحو 385 ألف برميل يوميا في مارس/آذار 2011) تعيش البلاد أسوأ أزماتها، وهي التي تحتاج يوميا إلى ما يقارب ستة ملايين لتر من المازوت وأربعة ملايين لتر من البنزين و6500 طن من الفيول (زيت الوقود)، مما يجعلها مضطرة للاعتماد على الواردات النفطية التي يصعب تأمينها بسبب العقوبات الاقتصادية.
وبدأت أولى أزمات الطاقة والوقود في سوريا في العام 2011 بخروج عدة محطات لتوليد الكهرباء من الخدمة وتضررها كليا أو جزئيا نتيجة الاشتباكات ثم القصف، ومنها محطات تشرين ومحردة والزارة، ومن ثم سيطرة فصائل معارضة وتنظيم الدولة على حقول نفطية مختلفة -كالعمر وجزل والهيل- ومنشآت تستخدم لمعالجة وتكرير النفط شمال شرق ووسط البلاد، مما أدى لتراجع تدريجي في إنتاج النفط المحلي.
ومع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على نظام الأسد في خريف 2011 والتي شملت قطاعات النفط والغاز والشركات العاملة ضمنهما بحثت حكومة الأسد عن مصادر بديلة.
وكانت إيران في طليعة هذه المصادر، حيث دخلت أولى اتفاقيات مصرف سوريا المركزي مع إيران لتغطية إمدادات النفط من أوراق اعتماد مستندية بقيمة ثلاثة مليارات دولار حيز التنفيذ مطلع العام 2013 لتتمكن سوريا على إثرها من الشروع باستيراد النفط الخام إلى مصفاة بانياس أواخر العام 2013.
واستمرت دمشق باستيراد النفط بمساعدة إيرانية حتى أواخر العام الفائت حين توقفت عمليات الاستيراد تلك لما قالت الحكومة إنها “أسباب فنية” ووعدت بزوالها خلال الأيام المقبلة.
أرقام وأعذار لم تعد تعني معظم سكان دمشق، حيث بات انتظار انفراج الأزمات المتتالية سيد الموقف في حياتهم اليومية، وتحولت مدينتهم إلى “مدينة الطوابير”، بحسب تعبيرهم.
المصدر : الجزيرة