لم يعد يميز الحلبيون الليل من النهار، نتيجة القصف الجوي العنيف والمكثف الذي تعيشه الأحياء المحاصرة داخل مدينة حلب، وتحديداً بعد انتهاء الهدنة الهشة التي تم الإتفاق عليها بين روسيا وأمريكا.
يومين من الموت
فبعد يوم دام راح ضحيته أكثر من مئة وعشرين مدني ،خلال موجة القصف التي عصفت بالأحياء المحاصرة داخل مدينة حلب يوم أمس الأول الجمعة، عاودت الطائرات الروسية وطائرات النظام الحربية والمروحية استكمال ماقد بدأته خلال النهار.
حيث ارتقى مساء يوم الجمعة وفجر السبت أكثر من ستين مدنياً جراء استهداف الطائرات الحربية والمروحية أحياء (بستان القصر، المعادي، الصالحين، المرجة، المشهد والميسر) بأكثر من مئة وخمسين غارة جوية، سبعة منها بالقنابل التي يعتقد أنها ارتجاجية.
وقد وثقت جهات حقوقية وانسانية عاملة في حلب، ارتقاء أكثر من ثلاثمئة وعشرين مدنياً، قضوا نتيجة الغارات المكثفة والمتواصلة على الأحياء المحاصرة في حلب، والتي تستهدف التجمعات السكانية والمراكز الحيوية داخل المدينة خلال الأيام القليلة الماضية.
أعنف هجمة عسكرية
وقدم “المعهد السوري للعدالة” المختص بتوثيق انتهاكات النظام وحلفائه في حلب، احصائية خاصة لـ”وطن إف إم” أكدت أن المدينة تشهد أعنف هجمة عسكرية تقودها روسيا منذ سيطرة الثوار على حلب منتصف عام “2012”.
وقال أحمد المحمد الناشط في مجال التوثيق ضمن فريق المعهد السوري للعدالة : بلغ عدد ضحايا القصف الذي تتعرض له مدينة حلب منذ التاسع عشر من الشهر الجاري، وهو التوقيت الذي أعلن النظام انتهاء الهدنة الهشة فيه، بلغ “315” شهيدا من المدنيين، توزعوا على جميع الأحياء المحاصرة داخل مدينة حلب، والتي يقدر عددها بثمانية وستين حياً .
وأضاف: بالتزامن مع القصف العنيف الذي تعيشه مدينة حلب، وثقت فرق عمل المعهد السوري للعدالة، ارتكاب النظام عدة مجازر بريفي حلب الغربي والشرقي، حيث ارتقى “تسعة عشر مدنياً جراء استهداف الطائرات الروسية بلدة “بشقاتين” بريف حلب الغربي بصاروخ ارتجاجي، بالإضافة إلى عشرة ضحايا آخرين ارتقوا في مدينة الباب التي يسيطر عليها تنظيم داعش.
الموت بمختلف أنواع الأسلحة
كما أحصى المعهد استهداف أحياء مدينة حلب المحاصرة بأكثر من ثلاثمئة وخمسين غارة جوية بالأسلحة المحرمة دولياً.
وأكد مدير المعهد السوري للعدالة لـ”وطن” أن مدينة حلب ترزح ومنذ أكثر من ستة أشهر تحت وابل من القصف بالقنابل المحرمة دولياً من “النابالم والقنابل الفوسفورية والعنقودية” إلا أنه وخلال الأيام الثلاثة الماضية شهدت المدينة تصعيداً خطراً في عملية استخدام تلك الأسلحة المحرمة دولياً.
وقال أيضاً: تم توثيق استهداف أحياء (السكري، بستان القصر، الشيخ سعيد، المشهد، الميسر، المعادي، الكلاسة والمرجة) بما يقارب المئتي غارة بالقنابل الفوسفورية والنابالم، بالإضافة إلى القنابل العنقودية، مانجم عنه ارتقاء أكثر من سبعين مدني واحتراق أبنية بأكملها.
سلاح فتاك جديد
الأيام الماضة وماحملته من تصعيد عسكري كبير، شهدت خلالها أحياء حلب المحاصرة دخول نوع جديد على قائمة الأسلحة المستخدمة في تدمير المدينة وقتل أهلها، وهي القنابل الإرتجاجية المحرمة دولياً أيضاً، والتي تعد من أخطر أنواع الأسلحة التي تمتلك قدرة تدميرية كبيرة.
وعن هذا السلاح أوضح العديد من الخبراء العسكريين المنشقين عن نظام الأسد، أن روسيا لاتمتلك القنبلة الإرتجاجية التي تختص بها الولايات المتحدة الإمريكية، وبهذا فإن القنبلة الجديدة والتي تستهدف أحياء حلب تسمى قنبلة “Betab-500” والتي توازي في خطورتها القنبلة الإرتجاجية، وتعتبر من أشد أنواع الأسلحة فتكاً، حيث تم تحريم استخدامها خلال المعارك وليس على المدنيين فحسب.
وأكدوا على أن قنبلة “Betab-500 تمتلك القدرة على اختراق المباني المحصنة ويعتقد أن أول استخدام من قبل الطائرات الروسية لهذه القنبلة كان العام الماضي خلال استهدافها مقار الجيش السوري الحر بريف حلب الغربي.
وأكد خبراء عسكريين قيام روسيا باستخدام هذا السلاح في قصف الأحياء السكنية داخل حلب، في سبيل الحصول على أكبر مساحة مدمرة، بالإضافة إلى قتل أكثر عدد ممكن من المدنيين الذين يكونون بالغالب متواجدين ضمن أقبية المباني السكنية، من أجل الضغط على الفصائل العسكرية الموجودة داخل المدينة، وهو مايعتبر جريمتين على حد سواء، حيث يضاف إلى استخدام السلاح المحرم دولياً أنه يركز على الأهداف المدنية.
أيام غير مسبوقة من القصف تتعرض لها مدينة حلب وريفها منذ اعلان قوات النظام وقف العمل بالهدنة من جانبها، سيطر خلالها الموت والدمار على المدينة المنكوبة والمحاصرة أصلاً، حيث بات الجميع يعد المجازر على مدار الساعة وليس على مدار اليوم أو الاسبوع، الأمر الذي دعى الناشطين لتوصيف ما يجري في حلب بأنه “هولوكوست العصر”.
منصور حسين/حلب/وطن إف إم