سياسة

تيلرسون : أمريكا تركت مصير بشار الأسد لروسيا

قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس خلال اجتماعٍ خاص عقدته وزارة الخارجية الأسبوع الماضي إنَّ مصير بشار الأسد يقع الآن في أيدي روسيا، وإنَّ أولوية إدارة ترامب تقتصر على هزيمة تنظيم (داعش)، وذلك وفقاً لما ذكرته ثلاثة مصادر دبلوماسية مطلعة على اللقاء لمجلة فورين بوليسي الأميركية.

ورأت مجلة فورين بوليسي أن تأكيدات تيلرسون لغوتيريس تشير إلى رغبة إدارة ترامب المتزايدة في السماح لروسيا بقيادة مسار الأحداث في سوريا، مُنحِّيةً الجغرافيا السياسية جانباً للتركيز على هزيمة داعش، ملمحة إلى أن هذا التنازل يبدو أنه بلا مقابل.

واعتبرت المجلة الشهيرة إن هذه التصريحات تُمثِّل آخر محطةٍ في موكب السياسة الأميركية المُتخبِّطة التى تركت المراقبين الدوليين أمام صدمةٍ دبلوماسية بينما يحاولون معرفة ما إذا كانت إدارة ترامب ستصر على تنحي الأسد عن السلطة. فقبل ثلاثة أشهر تقريباً، أصر تيلرسون على أنَّ الأسد سيضطر إلى ترك منصبه بسبب استخدامه المزعوم للأسلحة الكيميائية.

لماذا قصف ترامب قوات الأسد إذن؟

وأشار تيلرسون إلى أنَّ العمل العسكري الأميركي ضد قوات الأسد في الأشهر الأخيرة كان يستهدف تحقيق أهداف تكتيكية محدودة -بما في ذلك ردع هجمات الأسلحة الكيميائية في المستقبل وحماية القوات المدعومة من الولايات المتحدة التي تقاتل داعش في سوريا- وليس إضعاف حكومة الأسد أو تعزيز القوة التفاوضية للمعارضة.

ويعكس موقف تيلرسون اعترافاً بأنَّ نظام الأسد المدعوم من روسيا وإيران، آخذ في الظهور باعتباره المنتصر السياسي المحتمل في الحرب الأهلية الممتدة منذ ستة أعوام في البلاد.

كما يمثل تراجعاً آخر عن بيان جنيف 2012 الذى تم التوصل إليه بوساطة الأمم المتحدة، ووقَّعت عليه روسيا والولايات المتحدة وقوى كبرى أخرى، ودعا إلى إقامة حكومةٍ انتقالية من أعضاء من نظام الأسد.

وبحسب إدارة أوباما والحلفاء الغربيين الآخرين، فإنَّ اتفاق جنيف كان سيؤدي إلى رحيل الأسد عن السلطة. (على الرغم من أنَّ إدارة أوباما خففت مطالبتها برحيل الأسد في العام الأخير لها في السلطة).

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد وصف بشار الأسد في أبريل/نيسان 2017، بالحيوان والشرير والسيئ للبشرية جمعاء، وذلك عقب الاتهام الذي وجه لقوات الأسد بقصف منطقة خان شيخون بشمال سوريا بالأسلحة الكيماوية.

إلا أنه قال: “أنه لا يملك خططاً للدخول إلى سوريا، مؤكداً أن التدخل الأميركي في سوريا سيكون عبر شن ضربات جوية جديدة تستهدف النظام”.

رد فعل الخارجية الأميركية

ورفض مسؤولٌ في وزارة الخارجية الأميركية التعليق على نقاش تيلرسون الخاص مع غوتيريس، لكنَّه أكد أنَّ الولايات المتحدة ما زالت “ملتزمة بعملية جنيف”، وأنَّها تدعم “عملية سياسية ذات مصداقية يمكن أن تحل مسألة مستقبل سوريا”. وأضاف: “في نهاية المطاف، هذه العملية، في رأينا، ستؤدي إلى حلٍ بشأن وضعية الأسد. ويجب على الشعب السوري أن يحدد مستقبل بلاده السياسي من خلال عمليةٍ سياسية”.

جاء قرار ترك الأمر لروسيا بشأن تقرير مستقبل الأسد عشية الاجتماع الأول للرئيس دونالد ترامب الأسبوع المقبل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا. كما يأتي في وقتٍ تسعى فيه إدارة ترامب إلى إصلاح العلاقات مع الكرملين على الرغم من سلسلة الفضائح التي ضربت البيت الأبيض منذ انتخاب ترامب.

إصلاح للعلاقات

وقال تيلرسون في وقتٍ سابق من هذا الشهر إنَّ ترامب كلَّفه بإصلاح العلاقات الأميركية الروسية المتصدعة. كما حذَّر وزير الخارجية الأميركي الكونغرس من أنَّ العقوبات الجديدة ضد روسيا بسبب دورها المزعوم في التدخل في الانتخابات الأميركية يمكن أن تقوِّض جهود التعاون مع موسكو بشأن الملف السوري.

وقال تيلرسون خلال زيارته لنيوزيلندا في بداية يونيو/حزيران 2017: “طلب مني الرئيس بدء عملية إعادة العمل مع روسيا لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا أولاً إرساء الاستقرار في هذه العلاقة حتى لا تتدهور أكثر”. ومن هناك قال إنَّه “سيبدأ في إعادة بناء مستوى من الثقة” مع موسكو.

وبعد أقل من شهرين من أدائه اليمين الدستورية، أوضح تيلرسون أنَّه ليس لديه اهتمام يذكر بتدخل أميركا بالقوة للإطاحة ببشار الأسد من منصبه.

وأضاف في نهاية مارس/آذار 2017 أنَّ “مستقبل الأسد سيقرره الشعب السوري”. وقالت نيكي هيلي، سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة، في تصريحٍ لمجموعة من الصحفيين، إنَّ “أولويتنا لم تعد قائمة على التركيز على رحيل الأسد”.

لكنَّ تيلرسون تراجع لاحقاً في نيسان/أبريل قائلاً إنَّ هناك “خطوات جارية” للتوصُّل إلى جهودٍ دولية للإطاحة بالأسد بعدما نفَّذ نظامه هجوماً بالأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، ما أسفر عن مقتل العشرات. وبعد أيام، في قمة مجموعة السبع في إيطاليا، كرَّر تيلرسون التحذير من أنَّ عهد الأسد “أوشك على الانتهاء”. وأضاف إنَّ “العملية التي سيرحل من خلالها الأسد هي أمرٌ يتطلب جهداً من المجتمع الدولي من أجل هزيمة داعش أولاً داخل سوريا، وتحقيق الاستقرار للدولة السورية لتجنب المزيد من الحرب الأهلية، ثُمَّ بعد ذلك العمل بشكل جماعي مع شركائنا في جميع أنحاء العالم من خلال عمليةٍ سياسية تؤدي إلى رحيل الأسد”.

مسألة تخص بوتين

وأوضح تيلرسون لغوتيريس في اللقاء الأخير أنَّ الولايات المتحدة تُغيِّر اهتماماتها فجأةً من جديد. وقال تيلرسون لأمين عام الأمم المتحدة في اجتماع الأسبوع الماضي بحسب أحد المسؤولين: “إنَّ ما يحدث للأسد مسألةٌ تخص روسيا وليس حكومة الولايات المتحدة”. وأضاف المسؤول أنَّ رسالة تيلرسون هي أنَّ “الحكومة الأميركية ستواجه التهديد الإرهابي”، لكنَّها بشكلٍ كبير غير مهتمة بما “إذا كان الأسد سيبقى أم سيرحل”.

ويشير تراجع تيلرسون إلى أنَّ وزارة الخارجية الأميركية مستعدة لتجنب صخب المسؤولية الأدبية حول ما يجب أن تقوم به الولايات المتحدة بشأن نظام الأسد في الوقت الذي تقود فيه زمرة التحالفات المتصارعة التي تقاتل في سوريا.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، هيذر نويرت، للصحفيين يوم الأربعاء، إنَّ “سبب تورط الولايات المتحدة في سوريا هو طرد داعش. لهذا السبب نهتم بسوريا وهذا هو سبب تواجدنا هناك”.

وكان التوتر الأميركي الروسي في الأجواء السورية قد تصاعد الشهر الماضي يونيو/حزيران 2017، عندما هددت روسيا باستهداف الطائرات الحربية الأميركية في سوريا وذلك بعد أن أسقط طيار أميركي طائرة نفاثة سورية لأول مرة منذ بداية الحرب فى سوريا قبل ست سنوات.

مربك وبلا مقابل

ووصف فريد هوف، المستشار الخاص السابق لوزارة الخارجية لشؤون الانتقال في سوريا، موقف إدارة ترامب بشأن روسيا في سوريا بأنَّه “مربك”.

وألقى باللوم على افتقار ترامب لاستراتيجيةٍ أمنية وطنية شاملة ومتسقة. وقال “ليس هناك كتاب تراتيل من المفترض أن يُوجِّه كل شخصٍ للطريقة التي يشدو بها. هناك العديد من الأصوات والمواقف التي تظهر في هذا الشأن، وهو أمرٌ لا يفاجئني”.

وتعليقاً على ترك مصير الأسد لروسيا، قال: “الابتعاد عن المشكلة وتركها لرعاية الروس شيء، وافتراض أنَّ بإمكانكم جني مكسب سياسي بالاعتماد على الروس في تحقيق نتائج جيدة هو شيء آخر”.

ويشعر كبار المسؤولين الأميركيين السابقين بقلقٍ حيال الطريقة التي تترك بها إدارة ترامب الأرضية السياسية لروسيا للتصرف في الملف السوري دون مقابل تقريباً. فقالت إيفيلين فاركاس، نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي للشؤون الروسية سابقاً، إنَّ “الأمور التى نسمعها من الإدارة الأميركية تتعلق أساساً بما قد تقدمه الولايات المتحدة لروسيا وليس العكس ( أي لا تشمل ما ستحصل عليه أميركا من روسيا في المقابل)”.

وبحسب فاركاس، ستستفيد موسكو أكثر من غيرها من العدد الكبير من الرسائل المتناقضة الصادرة من واشنطن حول سوريا. وأضافت أنّه في ظل غياب أجندةٍ واضحة لاجتماع الأسبوع المقبل مع بوتين على هامش اجتماعات قمة مجموعة العشرين، “سيكون من السهل خداع الرئيس”.

وطن اف ام / وكالات 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى