لعبة نفوذ جديدة بالجبهة الجنوبية السورية .. لمنْ مقود الصراع؟
أحداث متسارعة تجري في الجبهة الجنوبية بسوريا بين محافظتي القنيطرة ودرعا ، وتحرك لفصائل محسوبة على تنظيم الدولة في هجمات مباغتة ضد فصائل الثوار، بالقرب من جبهة لطالما بقيت هادئة على مدار أكثر من 40 عاماً، جبهة الجولان المحتل.
ماذا يجري؟
شن تنظيم الدولة هجوما مفاجئا على الثوار في منطقة حوض اليرموك، بريف درعا الغربي في المثلث الاستراتيجي القريب من دولة الاحتلال الإسرائيلي بالإضافة لفصل ريف درعا الشمالي وريف القنيطرة عن باقي المناطق المحررة في الجنوب السوري، والسيطرة على حاجز الرباعي وطريق الشيخ سعد -مساكن جلين.
وأكد مراسلنا اندلاع اشتباكات عنيفة في ريف درعا الغربي منذ منتصف ليل الأربعاء، بين جيش خالد بن الوليد التابع لتنظيم الدولة من جانب، والفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام من جانب آخر.
وتركزت الاشتباكات العنيفة على محاور الشيخ سعد وعشترا وجلين ومحاور أخرى في المنطقة، إذ تمكن جيش خالد بن الوليد من خلال هجومه من التقدم والسيطرة على بلدة الشيخ سعد الواقعة بالقرب من بلدة الشيخ مسكين شمال غرب درعا، ليصبح بذلك على تماس مباشر مع قوات الأسد في المنطقة.
لم تستمر سيطرة جيش الخالد المتهم بمبايعته لتنظيم الدولة على تلك المناطق طويلاً إذ شنت فصائل الجيش الحر بالتعاون مع هيئة تحرير الشام هجوماً معاكساً عبر غرفة عمليات ” صد البغاة”.
وقال مراسلنا إن غرفة ” صد البغاة” تمكنت من استعادة السيطرة على مساكن جلين وقرية الشيخ سعد وجميع النقاط التي تقدم عليها “جيش خالد” صباح اليوم في ريف درعا الغربي، بعد اشتباكات عنيفة استمرت عدة ساعات؛ وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في صفوفهم.
وفي غضون ذلك، أعلنت غرفة “صد البغاة” عن شنّ هجوم معاكس على مواقع “جيش خالد” في بلدة سحم الجولان بريف درعا.
وتعرضت مناطق الاشتباك لقصف مدفعي متبادل بين الطرفين؛ ما أجبر عشرات العائلات على الهروب بتجاه مناطق سيطرة الجيش الحر.
ماذا يخطط الروس؟
قال مصدر دبلوماسي عسكري روسي، اليوم الخميس، أن فصائل الجيش الحر في جنوب سوريا يخططون لتوسيع سيطرتهم في المنطقة، فيما اعتبر مراقبون أن موسكو تمهد لعمل عسكري في درعا والمحافظات الجنوبية.
وزعم المصدر الروسي – بحسب وكالة “سبوتنيك” – أن مقاتلي هيئة التحرير الشام “النصرة ” و” الجيش الحر” يوسعان سيطرتهم للأراضي الواقعة تحت هيمنتهم في جنوب سوريا لإنشاء حكم ذاتي تحت رعاية الولايات المتحدة”.
وأوضح المصدر أن الفصائل في الجبهة الجنوبية تخطط لشن هجوم منسق على قوات الأسد في جميع المحافظات الجنوبية الثلاث (درعا والقنيطرة والسويداء) لاتهام النظام بانتهاك اتفاق “خفض التصعيد” في المنطقة، على حد زعمه.
وأضاف المصدر أن الولايات المتحدة لا تحارب “المسلحين” بل تزود المناطق الخاضعة تحت سيطرتهم “بالمساعدات الإنسانية”.
ويرى مراقبون للأوضاع في سوريا أن المزاعم الروسية تأتي في سياق التبرير لعمل عسكري في المنطقة الجنوبية.
وفي السياق نفسه، شنّ الطيران الحربي غارتين جويتين على المنطقة الواصلة بين مدينة الحراك وبلدة الصورة شرقي درعا.
ورجحت صحيفة الوطن المقربة من نظام الأسد قبل أيام أن يبادر نظام الأسد إلى “حسم الأمر في منطقة جنوب العاصمة” بعد الانتهاء من الغوطة الشرقية.
وفي هذا السياق نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المحلل “جوليان تيرون” قوله أن “تأمين العاصمة سيكون بمثابة رصيد جديد يبنى عليه للاستفادة من بناء القدرات على جبهات أخرى” بينها درعا.
ويقول تيرون “تمثل درعا مشكلة حقيقية للنظام يركز عليها منذ مدة طويلة في محاولة لاختراق منطقة سيطرة الفصائل وصولاً إلى المدينة” التي تحمل الاسم ذاته.
وكانت قاعدة “حميميم” ألمحت في وقت سابق إلى أن “الوجهة المقبلة هي تطهير جنوب البلاد”، وأن “موسكو ستدعم تحرك قوات الأسد في عملياتها العسكرية المرتقبة بريًا وجويًا في المناطق التي تحتوي على متطرفين جنوبي البلاد” على حد تعبيرها.
بدوره، حذر موقع “المونيتور” الأميركي، في تقرير له سابقًا من تحول جنوب سوريا إلى منطقة مواجهة جديدة، مع انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الثلاثي “الأميركي ـ الروسي ـ الأردني” الذي تم التوصل إليه في عمان. وأكد الموقع أن هذه التطورات تغير حسابات الأردن و”إسرائيل”.
لماذا يتحرك التنظيم الدولة الآن؟
يتحرك جيش خالد بن الوليد،و هو تنظيم يتهم بمبايعته لتنظيم الدولة “داعش” وتكون من تشكيل لواء شهداء اليرموك وحركة المثنى الإسلامية، وجيش الجهاد منتصف عام 2016 ما يعرف اليوم باسم ” جيش خالد”، ويسيطر الجيش على مساحات من جنوب شرق مرتفعات الجولان وأجزاء من حوض اليرموك بين ريفي درعا والقنيطرة.
لدى عناصر الجيش قدرة على قطع مئات الكيلومترات ذهاباً وإياباً إلى الشرق والشمال السوريين، تبقى قضية صعبة التفسير، في ظل تنوع المناطق التي يسلكونها بين الخاضعة لسيطرة فصائل الثوار في ريف درعا، مروراً بمناطق سيطرة مليشيات “درزية” موالية لنظام الأسد في محافظة السويداء، وصولاً إلى البادية التي يتقاسمها نظام الأسد وقوات “التحالف الدولي”، وأخيراً مناطق سيطرة تنظيم “داعش” شرقي سوريا أو إلى مناطق سيطرة فصائل الثوار و”هيئة تحرير الشام” في محافظتي حلب وإدلب.
ولا تقتصر هذه الرحلة على العناصر، بل يخوضها قادة وشخصيات بارزة في التنظيم، إذ تمكنت فصائل الجيش الحر في حزيران/يونيو 2016، من إلقاء القبض على الشرعي في “حركة المثنى الإسلامية” محمد المسالمة، في مدينة إعزاز في حلب، وهو الذي خرج من درعا ووصل إلى حلب بشكل غامض بعدما كان من أبرز المطلوبين للجيش الحر في درعا. في شباط/فبراير 2017 وصل قائد “جيش خالد” السابق أبو محمد المقدسي، إلى حوض اليرموك، بشكل غامض، بعدما كان قائداً لفرع تنظيم “الدولة” في مدينة الضمير في ريف دمشق، والمطلوب لفصائل الجيش الحر فيها.
يرى مراقبون أن تحرك تنظيم الدولة في أثناء الحديث عن معركة حسم قادمة من قبل نظام الأسد وروسيا على الجبهة الجنوبية هو لإرباك الفصائل المناهضة للأسد، بالإضافة لأن جيش خالد مصنف ضمن لوائح الإرهاب العالمية ما يعني تصعيد مضاعف من قبل الروس والإيرانيين، رغم عدم إطلاق رصاصة واحدة من قبل جيش خالد نحو دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ تشكله حتى اليوم.
وسبق أن وجه مندوب نظام الأسد الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري اتهامات للثوار بتحضيرهم لشن هجوم كيميائي على مدينة الحارة التي تقع تحت سيطرة الثوار بالأساس.
ورد المجلس المحلي في مدينة الحارة بتوجيه رسالة إلى مجلس الأمن ومطالبته بالتحرك لمنع حدوث أي هجوم من قبل الأسد على المدينة، وأضاف المجلس العسكري لمدينة الحارة أنه يضع ما قاله “الجعفري” برسم المجتمع الدولي الذي يجب أن يتحمل مسؤولياته تجاه الشعب السوري وتهديد المدنيين الآمنين باستخدام أسلحة محرمة دوليا.
وشدد المجلس عبر بيان أصدره على أن ما يعمل عليه نظام الأسد ومن خلفه إيران وروسيا هو محاولة مكشوفة لخلق مبررات لاستعادة تل الحارة الاستراتيجي، مشيرا إلى أن الثوار لن يتخلون عن أرضهم وسيدافعون عنها ما داموا على قيد الحياة.
موقف دولة الاحتلال!
لا يبدو موقف دولة الاحتلال واضحاً حتى الساعة، ولكن خطابها موجه ومنذ فترة لطرد الميليشيات الإيرانية أو المدعومة منها من حدودها، ومن مناطق تشكل خطر بعيد المدى على أمنها.
وثمّة حذر في دولة الاحتلال الإسرائيلي من أنّ الضربات العسكرية الإسرائيلية ضد الوجود العسكري الإيراني في سورية، ربما لا تؤدي إلى ردع إيران عن الاستمرار في تعزيز وجودها العسكري في سورية، وأنّ صبر إيران قد ينفد نتيجة للخسائر المتزايدة. وقد يفضي بها ذلك إلى ردّات فعل عسكرية ضد “إسرائيل” من جنوب سوريا، أو من جنوب لبنان، أو حتى من خلال استهداف المصالح الإسرائيلية في أنحاء مختلفة من العالم.
ويرى عبد الرحمن الراشد في مقال له أمس في جريدة الشرق الأوسط حمل عنوان ” دخول إسرائيل في سوريا”، أن “حكومة الاحتلال كانت تقف موقف المتفرج، معظم الأحيان، خلال سبع سنوات من الحرب في سوريا، وكانت تحذّر الأطراف بعدم التعرض لحدودها أو مناطقها الموازية”.
ويضيف الراشد “قد التزم المتحاربون عدم تخطي الخطوط الحمراء الإسرائيلية بما فيهم (داعش) و(جبهة النصرة) والحرس الثوري الإيراني، إلا من مواجهات محدودة. وكان الوضع مناسباً لإسرائيل باستمرار القتال بين أعدائها.
ويتابع الراشد في مقاله” لكن يبدو أن حسم الحرب لصالح إيران تحديداً، واكتفاء تركيا بتنظيف مناطقها الحدودية من المتمردين الأكراد، جعلها تعيد استراتيجيتها. بالنسبة إلى القيادة الإيرانية استراتيجيتها تطمح للسيطرة على مناطق غرب إيران، العراق وسوريا ولبنان، حتى تعطيها ميزة تفاوضية مع إسرائيل. وهو مشروعها القديم في لبنان وغزة من خلال (حزب الله) وحركة (حماس)”.
وبذلك قد تكون جميع التحركات في الجبهة الجنوبية تبعاً لخطوط التحرك الإقليمية وتحديد مناطق النفوذ سواءا أكانت إسرائيلية أو إيرانية أو أردنية أو روسية، ويبقى على المتابع للمشهد أن ينتظر إلى من ستحول الأمور.
عبد الناصر القادري – وطن اف ام