ظهر خلاف مصر والمملكة العربية السعودية للعلن مطلع الأسبوع الجاري، مع إعلان الرياض استياءها من تصويت القاهرة في مجلس الأمن إلى جانب مشروع قرار روسي متعلق بمدينة حلب، ووقف شركة أرامكو السعودية إمدادات البترول إلى مصر الشهر الجاري، رغم نفي الأخيرة بوجود أي طابع سياسي وراء قرار الشركة.
ثلاثة أسباب، وتداعيات “غير مميتة”، رصدها محللون سياسيون، في تصريحات منفصلة لوكالة”الأناضول”، دفعت لتوتر غير مسبوق في العلاقات بين القاهرة والرياض، منذ إطاحة الجيش المصري بمحمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في يوليو/ تموز 2013.
وعلى رأس تلك الأسباب، كانت المعالجة الخاصة بالقضية السورية، بجانب سببين فرعيين يتمثلان في “التناقض في التعامل مع جماعات الإسلام السياسي”، و”التنافس على زعامة المنطقة” بين البلدين، وفق المحللين السياسيين.
وظهر جلياً وخاصة بعد جلسة مجلس الأمن السبت أن لمصر مواقف قريبة من روسيا وإيران تجاه القضية السورية، فيما تبتعد إلى حد ما عما تريده السعودية نحو الأزمة ذاتها، في الوقت الذي ترى فيه الأخيرة إيران عدوًا استراتيجيًا.
وتوقع كتاب ومحللون سعوديون التقتهم “الأناضول” أيضاً أن تكون تداعيات التوتر بين القاهرة والرياض محدودة ومؤقتة ووصفها بعضهم بأنها “لاتعدو أن تكون زوبعة في فنجان”.
حلب.. “القشّة”
يرى جواد الحمد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بالأردن (غير حكومي)، أن تناقض الموقف المصري مع التوجه السعودي في مجلس الأمن، مؤخرًا، حول حلب، كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير في توتير العلاقات بين البلدين.
ويوم السبت الماضي، رفض مجلس الأمن مشروعي قرارين، أحدهما فرنسي والآخر روسي، حول وقف إطلاق النار في حلب، ووافقت عليهما مصر.
والمشروع الفرنسي الذي أيدته مصر العضو غير الدائم بمجلس الأمن، كان يدعو إلى وقف إطلاق النار في حلب، وفرض حظر للطيران الحربي فوقها، داعيًا في الوقت نفسه إلى إعلان هدنة مؤقتة لوصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المحاصرين بداخل أحياء حلب الشرقية، التي تسيطر عليها فصائل المعارضة.
أما المشروع الروسي، الذي أيدته مصر أيضاً وعارضته الدول الأوروبية والخليجية بشدة، فكان يحث الأطراف على وقف “الأعمال العدائية” فورًا، وعلى التحقق من فصل قوات المعارضة “المعتدلة” عن جبهة فتح الشام (النصرة سابقًا).
وفي تصريحات عبر الهاتف لـ”الاناضول”، قال “الحمد”، إن “السعودية كانت تتوقع مواقف مصرية إيجابية تجاه سياساتها الخارجية، خاصة في سوريا”.
واعتبر أن العلاقات المصرية الإيرانية المتنامية مؤخرًا، سببًا رئيسًا في توتير العلاقات بين البلدين، قائلا إن “المملكة لم تنجح في إبعاد مصر عن المحور الإيراني المعارض لها”.
ومحذرًا من تداعيات خلاف مصري سعودي على العرب عامة، توقع “الحمد” أن يدفع التوتر في العلاقات إلى “فتح باب للحوار بين النخب المصرية؛ لتغيير سياسة مصر واتجاهاتها”.
“محاولة ابتزاز”
واتفق زهير سالم، مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية بلندن (غير حكومي)، مع طرح “الحمد”، إلا أنه اتهم النظام المصري، بـ”محاولة ابتزاز السعودية”.
وأضاف لـ”الأناضول”، “الرياض كانت تعدّ السيسي حليفا استراتيجيا؛ لمواجهة التوغل الإيراني في المنطقة، لكن السيسي أحبط هذه الرغبة بسلوك مغاير للسياسات العربية وداعم للأعداء الاستراتيجيين للمملكة”، وفق قوله.
وحول تداعيات التوتر بين مصر والسعودية، توقع سالم(سوري الجنسية) ألا تتخذ الرياض مواقف آنية حادة تجاه القاهرة، موضحًا “هذا ليس من طبيعتها”، قائلاً “ربما تحاول الرياض على المدى الطويل أن تغير سياساتها تجاه مصر”.
ومستبعدًا تضييقًا سعوديًا على مصر، ذهب سالم إلى أن “الرياض تمتلك ورقة ضغط الدعم المالي والمعنوي الموجه لنظام السيسي”. و شدّد على أن “السعودية لن تسعى إلى إسقاط النظام المصري؛ كون المنطقة العربية لا تحتمل سقوط دولة بحجم مصر”، وفق كلامه.
الزعامة والإسلام السياسي
في سياق آخر يرى الحمد، أن “التناقض في التعامل مع حركات الإسلام السياسي”، و”التنافس على زعامة المنطقة العربية”، يعدان سببان فرعيان لتوتر العلاقات بين السعودية ومصر.
وأوضح المحلل السياسي الأردني أن “مصر ترى في الإسلام السياسي في أي بلد عربي خطرًا على أمنها القومي، بينما السعودية تسعى نحو تقارب محسوب”.
أما الاعتبار الثاني بحسب الحمد، فيتمثل في أن “مصر تريد الزعامة في المنطقة، رغم معاناتها في ذات الوقت من مشاكل سياسية واقتصادية وشعبية وأمنية عديدة، بينما تقف السعودية على قمة القرار العربي”.
بدوره، قلّل المحلل السياسي السعودي، جمال خاشقجي، من الحديث عن وجود توتر في العلاقات بين البلدين في الوقت الراهن.
وقال خاشقجي لـ”الأناضول”، إنه “لم يصدر شيء رسمي في هذا الشأن، باستثناء تصريح المندوب السعودي في مجلس الأمن الذي عبّر عن ضيقه من تصويت نظيره المصري لصالح المشروع الروسي الخاص بسوريا”.
وأكد على أن “البلدين حريصان على العلاقة بينهما، لكنه لم يعد خافيًا على أحد أن هناك شيء من العتب عبَّر عنه بشكل رسمي السفير السعودي في الأمم المتحدة”.
وذهب “خاشقجي” إلى أن “السياسة المصرية تتعارض مع السياسة السعودية، بشأن الخطر الإيراني وبقاء(بشار) الأسد في سوريا”.
ومتطرقًا إلى تداعيات التوتر بين البلدين، أكد أنها “ليست جيدة على مصر، بينما السعودية لا تداعيات عليها”.
وتابع “السعودية متألمة فقط لغياب الدور المصري المحوري في المنطقة، ومن الصعب أن تكون مصر موجودة بجانب المملكة وهي مختلفة برؤيتها على المجموعة الخليجية”.
استقطاب دولي
وفي السياق، رأى الكاتب الصحفي المصري، عبدالله السناوي، أن “الأزمة المصرية السعودية في مجلس الأمن بسبب التصويت على القرارين الروسي والفرنسي تجاه القضية السورية تطور جديد وسلبي”.
وطالب السناوي في تصريحات تلفزيونية، بضرورة أن “تظل لغة الحوار بين مصر والسعودية”.
وأضاف “السعودية ليست في وضع إملاء الشروط، ومصر لن تستغني عن السعودية”، موضحًا أن “صلب الأزمة ليس مصريا أو سعوديا، وإنما الأزمة في الاستقطاب الدولي والذي يديره بشكل مباشر أمريكا وروسيا”.
وتسبب اختلاف الرؤى بين مصر والسعودية، حول الملفين السوري واليمني، في توتر العلاقة بين البلدين، خاصة بعدما صوتت مصر لصالح مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة السورية، وهو ما دفع المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي إلى وصف موقف مصر بـ”المؤلم”.
كما أعلنت شركة أرامكو السعودية عن وقف إمدادات البترول المقررة لمصر، عن شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، والتي تقدر بـ700 ألف طن، بموجب اتفاقية وقعها الملك سلمان في أثناء زيارته للقاهرة، في أبريل/ نيسان الماضي، بينما نفت الحكومة المصرية على لسان وزير البترول حمدي عبدالعزيز، وجود أي طابع سياسي وراء قرار الشركة السعودية.
وعادة ما توصف العلاقات المصرية السعودية بأنها جيدة، وظهر دعم المملكة بشكل كبير للقاهرة منذ نهاية صيف عام 2013، عقب الاطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في البلاد، وقدمت لها مساعدات مالية وتسهيلات اقتصادية بملايين الدولارات.
مصالح وأولويات
الكاتب السعودي فهد الأحمري قال لوكالة “الأناضول” إن “المصالح الاستراتيجية لكل من السعودية ومصر مختلفة في بعض القضايا كما هو الحال في قضية سوريا”.
وأوضح فكرته بهذا الخصوص بالقول “ترى مصر أن سقوط دمشق يعد سقوطا لها لاعتقادها أن دمشق بوابة القاهرة، بينما تعتبر السعودية أمنها يمتد من دمشق وينتهي في صنعاء لذا فهي معنية بهما من أي اختراق يهدد كيانها”.
ورأى الكاتب السعودي الذي كان يشغل منصبًا في شركة أرامكو للنفط ويكتب مقالات بجريدة الوطن السعودية أنه “لا ضير في هذا الاختلاف لأنه ليس بالجديد غير أن هناك من يحرص على تجديد الأزمات وإضرام نارها في كل مناسبة ومنها قضية تصويت مصر في مجلس الأمن”، دون أن يسمّ من يقصد.
واستبعد الحمري أن يكون هناك صلة بين وصول الوديعة السعودية التي أعلنت القاهرة عن وصولها الخميس، وبين مساع احتواء الأزمة.
وقال: رغم أننا على يقين بأن البلدين سيعملان على احتواء الأزمة (..)، لكن الوديعة المذكورة ليست وليدة اليوم إذ لا يمكن أن تتم في عشية وضحاها وهي بهذا الحجم بل بالتأكيد تمت إجراءاتها قبل التصويت في مجلس الأمن.
ورأى أيضاً أن الأمر “ينطبق على مسألة توقف أرامكو عن إمداد الشحنة البترولية، فقد كان قبل جلسة مجلس الأمن وهو إجراء مؤقت لشهر أكتوبر فقط”.
“زوبعة في فنجان”
متفقًا معه، قال الإعلامي السعودي “عبد الله الحارثي” لوكالة الأناضول “ما يحدث لن يعدو كونه سحابة صيف بين البلدين، سببه خطأ سياسي من جانب القاهرة”.
واعتبر أن الدبلوماسية المصرية أخطأت بتصويتها لصالح الموقف الروسي.
من جانبه توقع الكاتب السعودي عبد الله ناصر العتيبي أن تنتهي تلك “الزوبعة السياسية” بسرعة.
وقال العتيبي الذي يكتب مقالات في جريدة الحياة اللندنية للأناضول: السعودية لا يمكن أن تتخلى عن مصر في الوقت الحالي لسببين؛ الأول متعلق بمصر نفسها فإيقاف الدعم الاقتصادي والسياسي لها قد يحولها إلى دولة فاشلة، وهذا الأمر ليس خطرًا على المصريين فحسب وإنما هو خطر يمتد للمنطقة بأسرها”.
وعن السبب الثاني فأشار الكاتب إلى أن له علاقة بالأوضاع في المنطقة “حيث أن الرياض في حاجة للقاهرة في كثير من الملفات”، دون أن يقدم أمثلة على ما يقول.
وهو نفسه ما قاله الإعلامي السعودي مساعد بن حمد الكثيري في تصريح مقتضب للأناضول، متوقعًا ألا تستمر الأزمة إلا اذا استمر الإعلام المصري في موقفه ولم تتغير سياسة مصر نحو روسيا.
وعلى مدار اليومين الماضيين، وقع تراشق بين إعلاميين سعوديين ومصريين بعد تصويت القاهرة لصالح مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن.
وقال الخبير السياسي خليل العبدالله الخليل الأكاديمي والكاتب والعضو السابق في مجلس الشورى السعودي في تصريحه للأناضول إن السياسة المصرية وقعت في مطب عميق بسبب تصويتها لصالح روسيا تجاه الأزمة السورية، متوقعًا تغييرًا ستشهده العلاقات بين البلدين إذا تكررت مثل هذه المواقف.
رئيس قسم الإعلام بجامعة الملك سعود الدكتور فهد بن عبدالعزيز الخريجي قال للأناضول “ما حدث يمكن تلخيصه بأنه زوبعة في فنجان وبدأت تنتهي، لأن العلاقة بين البلدين لا يمكن تجاهلها، بسبب سوء اتخاذ القرارات أو حتى سوء تفسيرها”.
وطن إف إم / اسطنبول