كتب المعلق في صحيفة “فايننشال تايمز” ديفيد غاردنر مقالا، يحلل فيه الأزمة الحالية التي أحدثتها أربع دول عربية مع قطر.
ويحذر غاردنر في مقاله، الذي جاء تحت عنوان “السعودية تلعب لعبة خطيرة مع قطر”، من مخاطر التصعيد في المنطقة، ويقول إن لعبة السلطة الخطيرة جارية الآن في الخليج.
ويشير الكاتب في مقاله، إلى أن السعودية وحلفاءها قامت بمحاصرة الدولة الصغيرة الثرية قطر؛ في محاولة عدوانية لوقف سياساتها، التي تغرد خارج السرب، وأدت إلى إطلاق جرس الإنذار في جميع أنحاء العالم، باستثناء البيت الأبيض، حيث قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإصدار تغريدات على “تويتر”، يدعم فيها السعودية، وتعتقد هذه الدول مع ترامب، أن أفعالها الظاهرة قد تؤدي إلى ضربة قوية للجهاديين.
ويقول غاردنر إن “الأمير الشاب تميم بن حمد (37 عاما)، الذي تولى السلطة منذ أربعة أعوام، يجد نفسه بالتأكيد في وضع صعب، ففي الشهر الماضي عقد ترامب أثناء قمة الرياض صفقات أسلحة وتجارة واستثمارات، قيمتها مئات المليارات، في وقت دعا فيه السعوديين لقيادة الحملة ضد الجهاديين وإيران، وعلى ما يبدو فإن هذه الدعوات جرأت المعسكر الذي تقوده السعودية للتحرك ضد قطر”.
ويضيف الكاتب أن “محمد بن سلمان (31 عاما)، الذي سلمه والده العجوز الملك سلمان بن عبد العزيز مفاتيح المملكة عام 2015، هو في وضع صعب أيضا”.
ويلفت غاردنر إلى مصادر غضب السعودية على قطر، والنابعة من علاقاتها المفتوحة مع إيران، التي تعد المنافس الألد لها في لعبة النفوذ على المنطقة، مشيرا إلى أن “هذه التهمة تعد مقنعة في ضوء عدوانية ترامب تجاه إيران، لكنها ليست التهمة الأخطر، فعُمان وبمستوى معين الكويت، لديهما صلات جيدة مع طهران”.
ويجد الكاتب أن “السعودية في حالة قطر، رددت مواقف كل من الإمارات ومصر، لكن ليس بشأن إيران، بل بتهمة دعم قطر الجماعات الإسلامية المتطرفة، أعداء الشيعة الثيوقراطيين، الذين هاجموا الأسبوع الماضي طهران”.
ويرى غاردنر أن “المبرر الذي تسبب بتحرك معسكر السعودية أنها أضعفت ولعقدين شرعية الملكيات المطلقة في الخليج والديكتاتوريات العربية العلمانية في الشمال، فقناة (الجزيرة)، التي أنشئت من آل ثاني عام 1996، منحت صوتا للمعارضين في المنطقة وللإسلاميين، ودخلت بيوت العرب، وهذا المعسكر غاضب لدعم قطر جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة الإسلامية التي سيطرت على السلطة بعد سقوط حسني مبارك، وأطاح بها الجيش عام 2013، ومنحت القناة منبرا ليوسف القرضاوي (90 عاما)، الذي يعد القائد الروحي للإخوان”.
ويعلق الكاتب قائلا إن “الغرب قد يشعر بالغضب لفتاوى القرضاوي الداعمة للعمليات الانتحارية، مثلما يشعر المعتدلون العرب بالنفور من مواقفه الطائفية، لكن ما يدفع الخليجيين للشعور بالحنق هو ما يرونه موقفا تخريبيا لقطر وتعبئة وتحريضا ضدهم، وهذا يتفوق على دعم قطر للمقاتلين الإسلاميين السلفيين في ليبيا وسوريا”.
ويتحدث غاردنر عن “دعم قطر للربيع العربي، الذي قرأته السعودية بطريقة أخرى، حيث قمعت المعارضة، ورشت المليارات على مواطنيها وعلى الحلفاء الخارجيين، مثل عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش الذي سيطر على السلطة وحظر الإخوان، إلا أن انهيار أسعار النفط حد من درجة السخاء هذه، وقرر الأمير محمد بن سلمان، الذي يشرف على الاقتصاد، وأيضا على الدفاع والخارجية، البدء بإصلاحات في البلاد بالإضافة إلى الثبات الحازم في الخارج، وكانت نتائج هذا كله متفاوتة”.
ويعلق الكاتب قائلا إنه “لا أحد يمكنه انتقاد رؤية ابن سلمان، القائمة على فطم البلاد عن النفط، وتشجيع القطاع الخاص، إلا أنه اضطر للتراجع بطريقة مهينة، بعد ثلاثة أشهر من تخفيض المنافع التي تقدمها الدولة لعمال الخدمة المدنية وموظفي الحكومة، ففي بلد يعتمد فيه نصف الناس على رواتب الحكومة والقطاع الخاص كله على الإنفاق الحكومي، فإن قرارا بهذا المستوى يعني انهيار الاستهلاك”.
وينوه غاردنر إلى أنه جاء بعد ذلك قرار حرب اليمن، الذي اعتقد الأمير أنه سيكون درسا قصيرا وحازما، ليس للمتمردين الحوثيين فحسب، بل لإيران وحليفها النظام السوري أيضا، مشيرا إلى أنه بعد أكثر من عامين لم تستطع أقوى دولة عربية هزيمة جارتها الفقيرة، رغم ما اشترته من أسلحة من الولايات المتحدة.
ويعتقد الكاتب أن “ولي ولي العهد السعودي، الذي لا يملك الخبرة، لا يريد فقط تركيع قطر، لكنه هدد الشهر الماضي إيران، عندما هدد بنقل المعركة لداخلها، ولهذا حملت طهران السعودية مسؤولية الهجمات الأسبوع الماضي، رغم إعلان تنظيم الدولة مسؤوليته عنها، حيث إن الأمير يمضغ أكثر مما يمكنه بلعه”.
وتنقل الصحيفة عن رجل دولة غربي، تحدث للكاتب بشكل خاص، قوله: “لديك أطفال يشرفون على المحل، ويقومون باتخاذ قرارات متهورة”، مشيرة إلى أن وزير خارجية في المنطقة وصف تغريدات ترامب التي دعم بها السعوديين بأنها “كارثة”.
ويحذر غاردنر من مخاطر تصعيد غير محمود العواقب للأزمة، فهناك مساحة واسعة لحوادث قد تشعل الأزمة، مثل مواجهة إيرانية سعودية، أو أي من حلفائهما أو تركيا، عضو الناتو، التي أرسلت قوات لتقوية حليفتها قطر، لافتا إلى أنه لا توجد أي إشارات إلى وجود آلية يمكن من خلالها لإيران والسعودية الحديث عن خلافاتهما.
ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى تصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي قال في منبر للمفاوضين المهنيين في أوسلو، إن “إيران نضجت بدرجة كافية، بحيث تدرك أنه لا يمكن استبعاد السعودية من المنطقة، وعليه فإن على السعودية أن تكبر هي الأخرى؛ وتدرك أنها لا تستطيع استبعاد إيران”.
وطن اف ام / عربي 21