دولي

لماذا أذاع “حزب الله” سرّ وجود قائده العسكري في سوريا؟

أعلنت ميليشيات “حزب الله” اللبناني، رسمياً، وللمرة الأولى، أن مكان إقامة قائدها العسكري، مصطفى بدر الدين، هو سوريا. وذلك بتاريخ 27 يوليو 2015.

في خبر مطوّل نشرته الصحيفة التابعة للحزب المذكور، وهي “الأخبار” التي أضافت أن لبدر الدين “دوراً أمنياً” في سوريا، إضافة إلى عمله في “قيادة مجموعات” تقاتل إلى جانب جيش الأسد.

وكانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والمعنية بمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، قد اتهمت مصطفى بدر الدين باغتياله. وعبّر “حزب الله” أكثر من مرة، وعلى لسان أمينه العام حسن نصرالله، عن عدم اعترافه بتلك المحكمة رافضاً تسليمها بدر الدين للتحقيق معه ومحاكمته.

إحراج نظام الأسد

ولفت في هذا السياق، إعلان “حزب الله” مكان إقامة قائده العسكري في سوريا. بما يتناقض مع سياسة الحزب المعروفة، وهي التكتم على تنقلات وإقامة قادته العسكريين خصوصاً بحساسية واحد منهم كبدر الدين مطلوب للعدالة الدولية.

ورأى محللون، وقتذاك، أن إعلان “حزب الله” مكان إقامة قائده العسكري بدر الدين، في سوريا، هو “إحراج” لنظام الأسد، مجدداً، وتصويره بأنه يقوم بإيواء مطلوب فار من العدالة الدولية وتقديم الحماية له. وأن نظام الأسد “لا مصلحة” له بالإعلان، رسمياً، بأن بدر الدين يقيم في سوريا ويتمتع بحماية الأسد له، في وقت “يحتاج” فيه الأخير إلى أي “تحسين” في علاقته بالغرب، حسب محللين.

وقُتل مصطفى بدر الدين في سوريا، بعد تسعة أشهر من الإعلان عن مكان إقامته فيها. دون أن يكون حزب الله مضطراً، ولأسباب أمنية، للإفصاح عن مكان إقامة قائده العسكري الذي قال عنه وقت الإعلان عن مقر إقامته، إن الأخبار التي تروّج عن بدر الدين القصد منها دفعه “إلى التوتر أو التصرف برد فعل خاطئ” حسب ما جاء في نص الخبر الذي نشرته “الأخبار” التابعة للحزب، والذي أذاع سراً هو مكان إقامة رجل مطلوب دولياً.

أسرار “تزلزل إيران”

مطلعون يرون أن مخاوف إيرانية جدّية ومقلقة، من أن يتعرّض مصطفى بدر الدين للأسر في سوريا. خصوصاً أنه متهم بالتورط في اغتيال رفيق الحريري، وسيكون لأسره أصداء مزلزلة على إيران، قبل حزبها التابع لها في لبنان، وهو “حزب الله”.

ففي حال تعرّض بدر الدين للأسْر، على يد إحدى الجماعات المعارضة لنظام الأسد، فسيكون صيداً ثميناً يرعب أركان الدولة الإيرانية. فهو الرجل الحامل لملفات أمنية متنقلة ما بين العراق والكويت ولبنان وسوريا، وأدى مهمات إرهابية في جميع تلك الدول، وسيكون لأسره أثرٌ حاسمٌ على توازن الحكم الإيراني، بل “قد يطيح به” من جذوره، على حد رأي المحللين المطلعين الذين لم يتوقفوا عن طرح هذا السؤال: “لماذا أعلن حزب الله مكان إقامة مصطفى بدر الدين”؟

ويضيف السابقون، أن لا مصلحة لـ”حزب الله” نفسه بإعلان مكان إقامة المطلوب من قِبل جهات دولية عديدة على رأسها المحكمة الدولية التي تحقق وتحاكم قتلة الحريري. لكن، يضيف المطلعون السابقون: “كان من الممكن الإعلان عن مقتل بدر الدين في سوريا، دون أن يعلن الحزب مسبقاً أنه يقيم فيها”. فلماذا “استبق” الحزب وعاجل بالإعلان عن مكان إقامة قائده العسكري، ليقتل بعدها بتسعة أشهر؟ مع العلم أنه لا توجد لدى أي جهة إعلامية أو سياسية أي تأكيدات لا عن تاريخ بدء إقامته في سوريا، ولا عن تاريخ مقتله الفعلي. وكل ما يتداول بهذا الخصوص هو ما يقوم إعلام الحزب بنشره.

نقطة أخرى تضيفها المصادر الإعلامية السابقة، وهو أن إعلام “حزب الله” الذي أذاع سرّ إقامة بدر الدين في سوريا، هو الإعلام نفسه الذي تحدث عن طبيعة الإصابة التي تعرّض لها بدر الدين. فأشار إلى “نزف في العينين والأنف” وكان هذا الإعلام “حريصاً” على منح انطباع بأن قائده العسكري قتل بطريقة محترفة جعلته يقتل دون أن تبدو عليه ملامح التعرض لقصف مدفعي كما أعلن حسن نصرالله الذي “تحدّاه” المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن يقدم رواية مقنعة عن مقتل قائده العسكري، خصوصاً أن المرصد أكد بشكل قاطع أن المكان الذي قيل إن بدر الدين قتل فيه، لم يتعرض لقصف على الإطلاق.

قُتِل اغتيالاً.. بالرصاص

يذكر أن مسلسل التكتّم ولفلفة الموضوع، استمر عند “حزب الله” على الرغم من خروج شيخ ينتمي للطائفة الشيعية في لبنان، هو الشيخ عباس حطيط، بتاريخ 14 أغسطس 2016، معلناً أن مصطفى بدر الدين قد قتل “برصاصتين غادرتين”. أي أن الرجل قتل عن طريق الاغتيال وليس بقصف مدفعي كما روّج “حزب الله” وكذّبه المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ويشار إلى أن تصريح الشيخ عباس حطيط، قوبل بإهمال متعمّد من مصادر “حزب الله”. فلم يتم التعليق عليها، رفضاً أو قبولاً. علماً أنه شيخ في الطائفة ولتصريحه وزنٌ مدوّ في هذا السياق. هنا طرحت مصادر إعلامية مختلفة سؤالاً ثانياً: “لماذا يتكتّم حزب الله عن حقيقة مقتل قائده العسكري اغتيالاً مباشراً بالرصاص؟”. خصوصاً أن صحيفة “البناء” اللبنانية القريبة من الحزب كانت نشرت خبراً، ونقلاً من مصادر إعلامية قريبة من محكمة الحريري، وبتاريخ 13 مايو 2016 يوم الإعلان عن مقتل بدر الدين، أن المحكمة قد تلجأ للتحقق من وفاة بدر الدين من خلال فحوصات الحمض النووي DNA.

الأمر الذي رفضه “حزب الله” إعلامياً بشدة وأصرّ عليه حتى اللحظة الأخيرة، دون أن يتم التحقق ما إذا كان تم الأمر أم لا.

تسريب ظهور قاسم سليماني أربك “حزب الله”

أجمعت مصادر مختلفة أن التسريب “القاتل” المتمثل برؤية الجنرال الإيراني قاسم سليماني، يخرج من المكان الذي قتل فيه بدر الدين، قبل العملية بدقائق، دفع “حزب الله” إلى “اختلاق” رواية القتل بالقصف، لا الاغتيال، كيلا “تحوم شبهات” حول دور ما غامض لسليماني الذي يمثّل الحكومة الإيرانية في سوريا ويمثل الحرس الثوري الإيراني فيها.

التحقيق المصوّر الذي نشرته قناة “العربية” الثلاثاء، عن قاتل مصطفى بدر الدين، أشار إلى وجهين في أمر مقتله، وإلى طرفين في إعطاء أوامر بقتله، سواء من قيادة حزبه أو من قاسم سليماني. فأولاً، مصطفى بدر الدين أصبح عبئاً أمنياً قاتلاً على “حزب الله” وإيران لأنه متهم رسمياً بقتل الحريري، ومن شأن القبض عليه من خلال الأسْر، أن يزلزل أركان الدولة الإيرانية نظراً إلى حقيبة الأسرار التي يحملها والتي كانت أغلبها تنفيذاً لأوامر جاءته من العاصمة طهران.

وثانياً، الصراع على قيادة العمل العسكري في سوريا ما بين قاسم سليماني الحريص على حياة جنوده الإيرانيين، ومصطفى بدر الدين الذي يمتلك تكتيكاً عسكرياً لا يتفق بالضرورة مع توجهاته، والتي وصلت حد الخلاف العلني القاطع والجذري. فأصبح وجوده على الأرض السورية دافعاً للرضوخ إلى معادلة: إما بدر الدين أو سليماني. فكانت الخاتمة بإزاحة بدر الدين، برصاصتين، بعد تسعة أشهر من إعلان “حزب الله” عن مقر إقامته ومقر عمله في سوريا.

المصدر: العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى