تطرقت صحيفة “الغارديان” إلى الجدل الذي أحدثه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عقب قمته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي.
وقالت الصحيفة في افتتاحيتها إن الرئيس ترامب قبل مغادرته واشنطن للمشاركة في قمة الناتو وزيارته لبريطانيا، ومن ثم حديثه مع الرئيس فلاديمير بوتين، أثار دهشة الكثيرين عندما أعلن أن لقاءه في هلسنكي، الاثنين، ربما كان أسهل لقاء.
وبنظرة إلى الخلف، فما قاله لم يكن مجرد تصريح عابر، فقد كانت تلك خطته طوال الوقت. فقد كان قاسيا في موقفه من الناتو، وبعد ذلك أثار المشاكل في بريطانيا من أجل الإضرار بالاتحاد الأوروبي. وبعد ذلك قدم تصريحا متعاونا في محادثاته مع الرئيس الروسي. وبعبارة أخرى “بلطجة بلطجة وتملق”.. بلطجة على بريطانيا والناتو، وتذلل أمام بوتين.
وأضافت أن الزيارة الأوروبية ونتائجها تقدم تلخيصا مثيرا للقشعريرة عن رؤية ترامب للعالم. فاستراتيجيته تشجب القيم التي قامت عليها السياسة الغربية منذ هزيمة هتلر. وهي خروج واضح عن شبكة التحالفات والآمال العامة التي ظهرت في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وهي عودة إلى عصر القوى الكبيرة ومصالحها الخاصة، وليس مصالح حلفائها. ولم تعد الدول الصغيرة مهمة، وأصبحت المعايير الدولية تحت رحمة التفوق العسكري. ولأن روسيا دولة عسكرية قوية، فقد أخرجها ترامب من العزلة، رغم أن الحرب الباردة لم تنته بعد. وربما انتهى النظام الدولي والقيم والأخلاق التي تم العمل بها في مرحلة بعد الحرب العالمية الثانية قريبا.
وقد مضى ترامب للحديث مع بوتين، مقدما عددا من التفاهات التي تشير إلى استعداده لإعادة العلاقات مع موسكو. حيث قال: “هناك الكثير من الأمور الجيدة التي كانت مجالا للحديث”، وإن الطرفين لديهما “فرص عظيمة للعمل معا”، و”ستكون علاقة فوق التصور”، و”العالم يريد رؤيتنا معا”.
ووقف إلى جانبه بوتين بوجهه المتصلب، ولم يقل شيئا، ولم يتخلّ عن شيء. وبعد خمس ساعات من الحديث، ظهر الزعيمان. وكان بوتين في هذه المرة هو المتحدث/الثرثار. وقال إن المحادثات كانت ناجحة ومفيدة، وإن العلاقات تحركت نحو مرحلة جديدة، ولا يوجد ما يمنع تعاون الولايات المتحدة وروسيا في المجالات الاقتصادية والعسكرية ومكافحة الإرهاب وحماية البيئة.
وكان اللقاء كله مرح وابتسامات، بل وأعطى بوتين ترامب كرة قدم علامة على نهاية مباريات كأس العالم. ولكن الرئيس الأمريكي قدم لبوتين جائزة أكبر من كرة قدم، فقد استخدم المناسبة لتعبيد الطريق أمام روسيا لدخول النظام الدولي الذي يفهمه. ولو كانت التصريحات التي قدمها الزعيمان في نهاية اللقاء موثوقة، فإن الأمور التي عقّدت العلاقات مع الغرب مثل أوكرانيا والتدخل في الانتخابات الأمريكية والحرب الإلكترونية وتسميم سالزبري ليست مهمة. وقد منح الرئيس ترامب وبحماسة شديدة بوتين علامة نجاح شديدة.
وترى الصحيفة أن بوتين هو الرابح الأكبر من قمة هلنسكي. وحقيقة عقد اللقاء يعد انتصارا للكرملين. ولكن ترامب كان واضحا في اعتباره أن ما مضى قد مضى. ويبدو أنه يعيد ترتيب الأزرار. ولم يكن موضوع أوكرانيا مهما للرئيس لدرجة شعر بوتين بالجرأة للقول إن واشنطن لا تضغط بما فيه الكفاية على كييف كي تستجيب للمطالب الروسية. ولا يوجد ما يشير إلى مناقشة الزعيمين لملف سوريا والشرق الأوسط، لكن من الواضح أن ترامب لم يكن راغبا في تحديد موقف. ولا يزال الموضوع الرئيسي أمام العلاقات هو التدخل الروسي في الانتخابات التي أدت إلى توجيه تهم لـ12 مواطنا روسيا، وذلك لأن الرئيس ترامب يتعامل مع الموضوع كونه خطيرا. ومن هنا يعود بوتين إلى موسكو دون أن يشعر بضغوط عليه في كل الموضوعات الصعبة.
ولو كان بوتين الرابح الأكبر، فإن تيريزا ماي هي الخاسر الأكبر. فلم يكن هناك أي ذكر لهجوم سالزبري أو غاز نوفيجوك. وتحدثت ماي يوم الاثنين مع النواب عن الناتو، وكأن شيئا لم يتغير، وأن بريطانيا والولايات المتحدة في الجانب ذاته بالنسبة لتحمل المسؤولية، وأن موقف ترامب من الناتو وبريطانيا إيجابي.
وتعلق الصحيفة على ذلك بالقول: “كلام فارغ”، و”تتحدث ماي وكأن التحالف لم يتغير، في الوقت الذي تغير فيه كل شيء”. و”لو أرادت تجنب -هي وحكومتها- أضرار الهدم الذي يقوم به ترامب على مستوى العالم، فيجب أن تصحو وسريعا”.
وطن اف ام / صحف