تزيد روسيا من وحشيتها ضد حلب وإدلب والريف الشمالي، وهي تمارس عملية إبادة شاملة، على الرغم من أنها تراوغ من خلال التواصل تحت حجة البحث عن حل، لكنها تعتبر أن فشل الوصول إلى حل ناتج عن تمسّك بعض الأطراف بإزاحة بشار الأسد. ولهذا، تزيد من ضغطها ومناوراتها، من أجل “إقناع” هذا البعض بالتخلي عن مطلبه هذا.
فشل الوصول إلى حل ناتج عن “معضلة” بشار الأسد، فالمواقف تفترق حين التطرق إلى وضع الأسد، وتفشل المفاوضات، لأنها لا يجب أن تتناول وضعه. وإذا كان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يعتبر أن سبب الفشل هو نتيجة التمسك بإزاحته، فيمكن أن نقول العكس، أي أن سبب الفشل هو نتيجة تمسك الروس ببقاء بشار الأسد، فقد تمحور الصراع، منذ بدء الثورة، حول رحيله. لهذا رفع الشعب شعار إسقاط النظام، وضحّى، وعانى، وواجه وحشية النظام وإيران وروسيا من أجل إزاحة بشار الأسد، فكيف يمكن أن نعتبر أن سبب فشل المفاوضات هو التمسّك بإزاحة بشار الأسد؟
قبول الذين خرجوا لتغيير النظام بالحل، بالتالي، ينطلق من إزاحة بشار الأسد. وإذا كان الرئيسان في تونس ومصر أزيحا بهدوء، ومن دون تضحيات كبيرة، فكيف يمكن أن يقبل الشعب بقاء رئيسٍ دمّر نصف البلد وهجّر نصف سكانه، وقتل مئات الآلاف، واعتقل مئات الآلاف كذلك؟
لا ترى روسيا ذلك، بل إنها تساهم فيه، وتساهم فيه بجدارة، معلنةً أنها تجرّب أحدث أسلحتها، ومؤكدها أنها تهدّد العالم بتفوق قوتها. وقد رأت في كل الثورات “مؤامرةً” أصلاً، لأنها تتخوّف منها، وتعرف أن الثورات الآن لن تصبّ في مصلحتها، لأن الشعوب تريد التحرّر من السيطرة والاحتلال والاستغلال والنهب، ولا تريد قبول بديلٍ آتٍ من أجل السيطرة والاحتلال والاستغلال والنهب. وتعرف أن الوضع العالمي ينحو نحو انفجار الثورات، وبالتالي، يمكن أن تصل إلى موسكو من دون أن تستطيع مقاومتها. وتعرف كذلك أنه لا أحد في الدول الإقليمية والإمبريالية يسعى إلى دعم ثورةٍ أو السماح بانتصارها، لأنه يرى نتائجها عليه، حيث أن وضعها جميعاً متأزم، وتخضع لأزمةٍ اقتصاديةٍ عميقةٍ، لا حلّ لها.
لهذا، تقدّمت إلى سورية، لكي تستولي عليها، وليس لكي تتوصل إلى حل سياسي، فهي تريد التوسّع بعد أن باتت إمبريالية، حيث تحتاج إلى الأسواق والسيطرة على الجغرافيا السياسية، وإيجاد أسواق لأسلحتها وسلعها. لهذا، فرضت على بشار الأسد أن يوقّع معها اتفاقية احتلال “غير محدّد” الزمن، ولقد سرّبوه هم. وبالتالي، بات بشار الأسد المشرِّع لوجودهم، وواجهة هذا الوجود. ومن ثم أصبح من البديهي ألا يجري طرح مسألة إزاحته، واستغراب أن هناك من يطرح ذلك.
مسألة فشل الحل هي بالضبط نتيجة التمسّك ببشار الأسد، لأنه ليس من حلّ في ظل استمرار سلطته، بعد أن رفع الشعب شعار إسقاط النظام، وبعد كل ما فعل. وعلى الرغم من كل التوافق الدولي الذي حصل، ويمكن أن يحصل بشأن وضع بشار الأسد، فإنه لا حلّ من دون أن يبدأ بإزاحة الأسد. طبعاً على الرغم من كل الوحشية الروسية، ووحشية إيران وعملائها، ووحشية النظام الذي بات الأضعف في معادلة السلطة في سورية. فقد كان رئيساً يحكم قبل الثورة ومع انطلاقها، وحاول أن يقاوم الثورة بالقوى التي يملكها، ثم بات خاضعاً لسلطةٍ أعلى، إيران في المرحلة الأولى، حيث باتت تتحكّم بالقرار العسكري السياسي، ومن ثم روسيا التي تتحكّم بكل القرارات وبالسلطة، وبالتالي تحكم بشار الأسد. لهذا بالضبط لا تريد أن يتحدّث أحد عن مصيره، وهي مصممة على ألا يدخل في بورصة التفاوض.
ذلك كله حتى وإنْ فرض الوضع تدمير ليس حلب فقط بل ما تبقى من سورية. فإذا كان الأسد قد عمّم ما فعله حافظ الأسد في حماة سنة 1982 على كل سورية، فيبدو أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين آتٍ لكي يعمم ما فعل هو في غروزني على كل سورية، ليعود الى الشعار الأثير: الأسد أو نحرق البلد، الأسد أو لا أحد. هذا هو بالضبط موقف روسيا.
من أفشل الحل السياسي هو من تمسّك ببقاء الأسد، لأنه لا حلّ ممكن في وجوده، ليس لأن هناك من يتمسّك بذلك من الدول أو المعارضة، بل بالضبط لأن الثورة لم تعد تسمح ببقائه، فكل حلٍّ يبقيه يعني بقاء الصراع.
المصدر : العربي الجديد