كان عام 2016 عاماً للحسم ضدّ الثورة السورية، فإن كان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قد أنهى وجود الثورة والفصائل في الرّقة ودير الزور في 2014 ولاحقاً، فإن جبهة النصرة أنهتها في إدلب، وحاولت ذلك في حلب ودرعا. في درعا، دفعت الأردن وغرفة الموك إلى استقرار الفصائل هناك، وتحجيم “النصرة”.
في ريف حماة ثم حلب، لعب التدخل الروسي دوراً مركزيّاً في إيقاف انهيار النظام، والذي كانت التوقعات تفيد باقتراب انهياره، بسبب ذلك في كلّ سورية، وحوصرت حينها جبهة النصرة (فتح الشام) في إدلب، وبعدها بدأت عملية استرجاع حلب بمساعدة إيران ومليشياتها الطائفية المستوردة من عدّة دول؛ والجهادية التي كان همها فرض خيارها ضد الثورة قبل مواجهة النظام لعبت دوراً تدميرياً في اجتثاث الفصائل. وبذلك، ساعدت الإيرانيين والروس في استعادة حلب. وتقول التوقعات بتكرار ذلك في إدلب في 2017، الأمر نفسه سيكون في الرقة ودير الزور. يمكن القول هنا إن النظام وإيران، ومعهما حزب الله، لم يستطيعا مواجهة الثورة قبل 2014، حينما كانت شعبيةً وبحماية الجيش الحر، وتغيّر ذلك كله بعد تعاظم دور “النصرة” و”داعش” والفصائل الإسلامية، وبدأ الإخفاق الكبير يتطور، واكتمل بالاحتلال الروسي.
أصبحت سورية في 2016 تتنازعها قوّتان، إيران بمليشياتها الطائفية، وقواتها هذه برية، وروسيا بأسطولها الجوي، ويضاف إليهما وجودٌ تركيٌ، كان حصيلته تفاهماً روسياً تركياً، وكانت نتيجته الضغط على فصائل حلب لتسليمها. وبذلك تشكّل حلفٌ جديدٌ من روسيا وإيران وتركيا، بهدف التحكّم في سورية. ستحسم الاختلافات بين الدول هذه لصالح روسيا، وخضوع الدولتين الأخريين لها، فلا يمكن أن تتساوى ثلاثة احتلالاتٍ في آن واحدٍ لدولة واحدة. وهذا ما يُلحظ في هامشية التدخل التركي واقتصاره على مناطق بعينها، وضد الكرد و”داعش”، وأما الخلافات التي تظهر تباعاً بين روسيا وإيران فهي تساهم في تحديد شكل العلاقة بينهما في السيطرة على سورية.
طبعاً، كما ذكرنا مراراً، ستكون السيطرة بالتأكيد لروسيا؛ فإيران مرفوضة من المحيط الإقليمي لسورية، عدا عن ممارساتها الطائفية، والتي تتعارض مع رغبات السوريين بدولة “علمانية”، ومتناسبة مع تنوعهم الديني والقومي، وكذلك مع العصر. يشبه السوريون هنا الإيرانيين في رفضهم دولة ولي الفقيه، وكل التوجهات الطائفية لدولته، وهذا موضوع آخر. وللتذكير، يمكن العودة إلى نتائج انتخابات 2009 في إيران، والتي زُوّرت لصالح “الرئيس” أحمدي نجاد حينها، وتم دكّ الإصلاحيين في السجون، وما زالت قياداتهم فيها. أقصد أن لا مصلحة لكل شعوب المنطقة في الطائفية، بما فيها الإيرانيون، وهذا ما يشكل سبباً للتنسيق بينها ضد الأنظمة الطائفية، وكل أنظمة معادية لمصالح الشعوب.
يشمل وضع المدن الثائرة كذلك ريفي دمشق، فبعد أن صُفيت داريا، والتي صمدت أربع سنوات، فإن بقية الريف الغربي انهار تقريباً. وعكس ذلك، تقدّم النظام بشكل كبير في الغوطة الشرقية، وكذلك في بلدات القلمون؛ وقد ساهمت الفصائل الإسلامية بمحاولات فرض مشروعها على تلك المناطق، ووجود خلافات عميقة بين الفصائل وحروب قوية بينها. كما تمّ في العام 2016 في الغوطة الشرقية تمكين النظام ومليشيات إيران من التقدم، ولعب الروس دوراً في ترحيل آلاف المقاتلين من محيط دمشق، ومن بلدات عديدة، وهذا ما أمّنَ محيط العاصمة بشكل كامل؛ إذاً هنا إخفاق جديد وكارثي.
قمعت كل التحركات الشعبية في الغوطة الشرقية وفي حلب وإدلب وسواها بأشكال متعددة من تلك الفصائل، وبالتالي، لم تستطع المظاهرات والاحتجاجات تلك استعادة روح الثورة، كما كانت في 2011 و2012، بسبب رفض النظام أي اعترافٍ للشعب بأهداف الثورة، وبسبب إسلامية تلك الفصائل، والتي ترفض تلك الأهداف، وأيّ دورٍ للشعب.
يُضاف إلى الإخفاق العسكري للفصائل التهجير الكبير الذي شهدته كل المدن السورية والتدمير الواسع لها، وتشرّد ملايين السوريين في دول الجوار وفي بقية المدن الآمنة. وبذلك، توقفت كل مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية. توضح ذلك الأرقام المخيفة لحجم المليارات التي ستحتاج لها سورية، حينما تتوقع الحرب، والتي تنوف عن 250 مليار دولار.
حصيلة 2016 مشاورات روسية تركية إيرانية لكيفية السيطرة على سورية، ومحاولة تهميش الدور الأميركي والمعارضة السورية ودول الخليج. النظام أيضاً لا وجود له في تلك المشاورات. وبالتالي، وحينما تنعقد صفقةٌ متكاملةٌ بين هذه الأطراف ستنفذها المعارضة والنظام، وهذا يعني تصفية أي دور استقلالي لهما في تقرير وضع السوريين مستقبلاً.
سيكون السوريون في 2017 أمام واقع جديد، هو الاحتلال الروسي، والتدخلين الإيراني والتركي. سيتهمّش دور الأكراد بالتأكيد، ولن ترفض هذه النتائج القيادة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، والتي ستكون سعيدةً بتقليص الوجود الإيراني في سورية، وأيضاً الخليجي، وتحديداً السعودي.
حدثت الخسارة الثورية في سورية. وهذا مما لا يمكن إعادته إلى الوراء، وسيكون أمام السوريين تقبّل حكومةٍ لا تمثّل أهدافهم، وستكون تحت الاحتلال الروسي. بهذا الشرط، ستنتقل سورية نحو الاستقرار وإيقاف الحرب، وربما ستشهد إعادة إعمار بطيئة وديمقراطية بحدود دنيا ومضبوطة؛ ما حدث للسوريين من مآسٍ سيسمح بخفوت حركة الشعب في بداية ذلك الاستقرار، على أمل الوصول إلى إصلاحات مستقبليّة فعليّة.
اللوحة سوداء بامتياز، فالسوريون كانوا حالمين بدولةٍ تمثّل أهداف ثورتهم، فإذ هم تحت احتلالٍ وبدولة “صورية”، وبدمار مخيف، وبعدد قتلى يقترب من المليون وباقتصاد منهار؛ هذه هي وضعية سورية إن توقفت الحروب، وهو بالضبط ما يستدعي من كل الفاعلين المثقفين والسياسيين استيعابه جيداً، والعمل على إنهاض سورية والسوريين. وستكون المهمة مُركبةً من أجل تحقيق أهداف ثورتهم المغُتالة، ومن أجل التحرّر من الاحتلال الروسي ومختلف أشكال التدخل الخارجي.
المصدر : العربي الجديد