وقت كان قائد القوات الاميركية في المنطقة الجنرال جوزف فوتيل يزور كوباني ويتفقد الاستعدادت الجارية لإطلاق معركة تحرير الرقة التي طال انتظارها، كان “داعش” يتحرك خارج معقله بسهولة ويضرب في طرطوس وجبلة في اللاذقية، المحافظتين اللتين سلمتا حتى الآن من وحشيته. وبذلك، لم يقترب من معقل النظام فحسب، وإنما من الحصن المنيع لروسيا التي جعلت قاعدتها البحرية في المدينة الساحلية رمزاً لعودتها المظفرة الى المنطقة.
لا وجود معلناً لـ”داعش” في طرطوس واللاذقية، ولا هو سجل نشاطا في منطقة الساحل السوري منذ اخراجه منها في آذار 2014. ومع ذلك، قد تكون التفجيرات التي هزت المنطقة الاثنين الفائت الأكثر دموية في النزاع السوري، وهي ليست بسيطة، ولا شك في أن طريقة تنفيذها تطلبت بنى تحتية كبيرة وشكلت خرقاً واضحاً لتحصينات النظام وميليشياته.
صار إرهاب “داعش” كما فنونه الدموية، من المحطات البديهية في يوميات السوريين. لكنّ اختراق التنظيم تلك المنطقة تحديدا بسيارات مفخخة وانتحاريين، ينطوي على أهداف تذهب أبعد من نشر الرعب وإيقاع العدد الأكبر من الضحايا من المدنيين. ولعل ما حصل عقب الهجمات من اقتحام مؤيدين للنظام مخيما للاجئين وقتل سبعة من السنة المدنيين هو تحديداً ما رنا إليه “داعش”.
منذ نشأته لم يكن خلع نظام الأسد أولوية لتنظيم أبو بكر البغدادي. كان هدفه الأبرز إشعال فتن طائفية تضعف المعارضة المعتدلة وتعزز شعبيته بين السوريين وتقوي المتطرفين. وسبق لأسلافه في العراق أن استخدموا هذه الاستراتيجية بدم بارد، وتعذرت السيطرة عليها إلا بعدما حصدت آلاف الضحايا من المدنيين. على رغم كل التقارير التي تتحدث عن إنهاك “داعش” وانحسار موارده وتراجع عدد المجندين في صفوفه، يثبت التنظيم مجدداً أنه لا يزال قادراً على شنّ هجوم هو من الأكبر له منذ ظهوره في المسرح السوري، ويؤكد مجدداً أن هدفه الرئيسي هو دفع سوريا إلى مزيد من الاقتتال الطائفي.
ما حصل في جبلة وطرطوس يجب ان يشكل جرس إنذار، وسط حرب جانبية تدور بين الفصائل المعارضة العربية والكردية في شمال سوريا، من الحسكة الى القامشلي وحلب وقد تقوض الجهود لدحر “داعش”. ووقت تكثف واشنطن جهودها لاقتحام الرقة بـ”قوات سوريا الديموقراطية”، يُخشى تفاقم هذه النزاعات، في ظل اقتناع بأن هذه القوات ذات غالبية كردية، وأن العرب السنة ليسوا إلا أقلية ضئيلة فيها.
صحيح أن الدعم الأميركي لهذه القوات أتاح تحقيق مكاسب مهمة ضد “داعش” في الشمال السوري، إلا أن جعلها رأس حربة في معركة كالرقة، قد يزيد الانقسامات في المنطقة تفاقماً، وهو ما قد يستغله “داعش” لإثارة مزيد من الاقتتال بين الفصائل المعارضة، العربية منها والكردية، وتحويل الهجوم عليه معركة لمد نفوذه مجدداً خارجها.
المصدر : النهار