أنْ يَعود نظام آل الأسد فيقف على قدميه: أمنية خائبة تتكرر خيبتها عند كل منعطف من منعطفات الحرب السورية، لكن النظام لم يقلع عنها بعد، ولا يبدو أنه سيفعل في الأشهر القادمة.
ليست تماما أمنية يتشارك بها مع كل حلفائه. يتشارك بها إلى حد كبير مع الإيرانيين طبعا، خصوصا في فترة التصعيد الكبير هذه بالنسبة لهم، هذا التصعيد المستثمر في موسم الانتخابات الأميركية، والمستفيد من التضخّم الكابوسي لظاهرة «داعش» عبر العالم، في مقابل انكماشها الميداني النسبي حيثما تقيم هذه الظاهرة نطاق سيطرتها المباشرة.
الروس لديهم مقاربة أخرى. ليست عندهم أوهام بأن النظام يمكن إعادة إيقافه على قدميه بأي شكل من الأشكال. لديهم ما هو أخطر من ذلك: إصرار على إطالة أمده بأي شكل كان، لأطول وقت ممكن، وهو إصرار يرتبط بروزنامات وحسابات روسية عديدة ليس أقلها إعادة تطبيع الغرب علاقاته مع روسيا، ورفع العقوبات عنها بعد ضمها للقرم، وإقرار الغرب بأن «الحرب على الإرهاب» هي من الآن فصاعدا عنوان شراكة روسية ـ أميركية.
من هنا، الاختلاف بين النظرة الروسية وبين النظرتين الإيرانية والسورية النظامية حقيقي ودائم، لكنه ليس كما يتمناه المتفائلون في وقت سابق بإمكان التضاد بين هاتين النظرتين. عندما يحصل تباين بين الموقفين الروسي والإيراني – الأسدي فمرد ذلك أن الروس يتخوفون من أن يؤدي «موال الحسم» مفعوله العكسي، ويضرّ بشروط الإطالة بعمر النظام إلى اقصى مدة ممكنة.
حاليا، ليس هناك لا في أميركا ولا في فرنسا رأي واضح حول النظام الأسدي. فرنسيا، هناك اكثر فأكثر رغبة في «التخلص من داعش» أولا. أميركيا، هناك أكثر فأكثر تصالح مع فكرة دعم «الحشد الشعبي» الخميني النكهة في مواجهة «داعش»، ومن دون التطرق إلى مشكلة التغلب الفئوي في العراق التي كانت سببا لسرعة انهيار الجيش النظامي قبل سنتين، والتي وبدلا من العمل على معالجتها، جرى تصعيدها كمشكلة مع الحشد الشعبي، هذا الحشد الذي بدأ مستظلا بالمرجعية النجفية فصار الآن مؤطرا من طرف الحرس الثوري الإيراني ومؤازرا أكثر فأكثر بسلاح الجو الأميركي.
طبعا، لم يكن هناك رأي واضح عمليا تجاه النظام حتى عندما استخدم الأسلحة الكيماوية، فبعد دق طبول الحرب عولجت المسألة بالطلب منه نزع هذه الترسانة ليس إلا، والسماح له في المقابل باستخدام براميل المتفجرات والطيران الحربي من دون حدود.
مع ذلك، ورغم كل ما يعاب عليها، وأحيانا بشكل لاذع ومستحق، فإن حكومات الغرب لا يمكن أن تتطبّع بأي شكل كان مع بقاء النظام الأسدي، وهي ما زالت تنظر إليه نظرة مقارنة مع نموذج النظام الصدّامي الذي استمر ثلاثة عشر عاما بعد هزيمته في عاصفة الصحراء وفرض مناطق الحظر الجوي شمالا وجنوبا. طبعا، هذه النظرة «السينيكية» تعود فتواجهها نظرة «سينيكية» أخرى، لأن فاتورة مثل هذه اللامبالاة حيال عذابات السوريين، تدفع المزيد من اللاجئين إلى أوروبا.
معركة حلب يخوضها الروس كمعركة إطالة عمر النظام ما استطاعوا. يخوضها النظام والإيرانيون كمعركة تغذية موّال الحسم، أو تعبيد الطريق لذلك. ويخوضها الحلبيون، كمعركة دفع ما لا يطاق عنهم: حصار التهلكة، والتحالف المتعدد الجنسيات المناصر، بشكل شنيع، لنظام دموي شنيع.
رصيد المقاومة الحلبية في هذه المعركة من شأنه إظهار الطابع الأرعن لفكرة إحياء النظام كما كان قبل الثورة. أما النضال لتقصير عمر نظام الاحتضار الدموي هذا فما زال.. غير قصير. أقله وفق المعطيات الظاهرة.
المصدر : المستقبل