تتوازى الجبهات العسكرية المفتوحة على وسع الخرائط العربية بين إيران وروسيا من جهة، والسعودية وحلفائها من جهة أخرى، مع حرب طاحنة أخرى موضوعها النفط والغاز وهي لا تقلّ شراسة وقسوة عن الأولى، ولكنّ أطراف النزاع، هذه المرّة، يلعبون الأوراق السياسية والعسكرية والاقتصادية في الوقت نفسه وبالضراوة نفسها.
تتركز التطوّرات العسكرية حاليّاً على مدينة حلب السورية التي بدأ سلاح الجو الروسي بقصف أحيائها المحاصرة وريفها بشكل مكثف بعد إعلان جيش النظام السوري إنهاء الهدنة المتفق عليها بين روسيا وأمريكا.
استهدف الهجوم مراكز حيوية وبنى تحتية ومناطق ذات كثافة سكانية عالية وقصف مراكز الدفاع المدني وأخرج المشفيين الباقيين في شرق حلب عن الخدمة كما استهدف المخابز واستعمل القنابل الارتجاجية التي تدمّر الملاجئ ما أدّى لسقوط أكثر من 400 قتيل بينهم 63 طفلاً وكذلك 15 من الكوادر الطبية و3 من عناصر الدفاع المدني.
وخلال تطبيق أمثولة «غروزني» الشيشانية في التدمير الشامل الروسيّ لحلب كان مثيراً للجدل حضور أكرم الكعبي قائد حركة «النجباء» العراقية المدعومة من إيران على جبهة المدينة الذي أعلن أن عديد قوّاته في سوريا بلغ سبعة آلاف مقاتل، وذلك في إعلان إضافيّ لتشييع إيران للصراع السوري ولجعله عربيّا ـ عربيّا في الوقت نفسه.
آخر التطوّرات على الجبهة الاقتصادية كان اجتماع وزراء أوبك في الجزائر أمس والذي شهد حضور وزيري الطاقة السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح والإيراني بيجار نمدار زنغنة وأظهر استمرار إيران بموقفها من رفض تحديد سقف لإنتاجها وكان لافتاً للنظر قول وزيرها إن «الأمور لم تنضج بعد لاتخاذ قرارات حاسمة».
وجاءت زيارة وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف إلى أنقرة أمس وذلك قبيل ساعات من وصول ولي ولي العهد السعودي محمد بن نايف إلى تركيا، لتصبّ في إطار الحرب الدبلوماسية بين البلدين، وهي ولو كان موضوعها الرئيسي هو الملف السوريّ فإن جوانبها الاقتصادية لا يمكن أن تغيب عن المشهد.
ورغم أن المشهد العسكريّ لا يمكن أن يفسّر إلا بكونه تحدّياً مباشراً للولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وحلفاء المعارضة السورية الأتراك والعرب إلا أنه يبدو أيضاً جزءاً من استثمار الاستراتيجية الروسية ـ الإيرانية العامّة لأوراقها كافّة بحيث يبدو تصعيد الحرب الجوّية والبرية متناغماً مع تصعيد حربي النفط والسياسة.
لا يتعلّق الأمر فقط باستغلال الوقت الضائع الذي يمضيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبيل رحيله القريب في تأكيد علامته الفارقة في أنه منجز الاتفاقات الصعبة مع إيران وكوبا في الوقت الذي تحصد روسيا وإيران فوائد هذه السياسة انتصارات وحشية على الأرض السورية وإصراراً على فرض شروطها الاقتصادية في السوق النفطية.
المشكلة الوحيدة (وهي لا تبدو مشكلة لروسيا وإيران) هي أن كلفة هذه الحروب تصرف من دماء السوريين.
المصدر : القدس العربي