نشطت منذ أكثر من سنة تقريباً حركة الهجرة من سورية إلى دول أوروبية عدة، وقد يخفى على البعض أن سورية هي البلد التي لم تشهد نزوحاً من 3000 عام، بل على العكس من ذلك فإنها بطبيعة شعبها المضياف استقبلت سورية نازحين من مختلف دول العالم أثناء الصراعات الدائرة في بلادهم، كالعراقيين واللبنانيين وحتى اليونان والكويت وغيرها.
اليونان تنزح إلى حلب:
قليون جداً من يعرفون أن الشعب اليوناني يكن للسوريين معزة خاصة، وتربطه به علاقات تاريخية جيدة، وعلى الرغم من الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تعيشها اليونان، إلا أن اليونانيين لا ينكرون فضل السوريين عليهم إبان استقبالهم في بيوتهم ومنازلهم قبل نحو قرن من الزمن، عندما فروا من ويلات الحرب العالمية الثانية.
وقد تداول السوريون صورة قديمة لمهاجرين ظهر فيها عدد كبير من اللاجئين اليونانيين في مدينة حلب، حيث اعتبر البعض تلك الصورة مفارقة القرن في ظل أوضاع اللاجئين السوريين الحالية في اليونان ودول أوروبا، ويظهر في الصورة مجموعة من الأشخاص يرتدون ملابس رثة، والأولاد الصغار على الأرض، والجميع يقف صفاً في انتظار المعونات، وفي المقدمة، امرأة، تضع علبة وتقف بجوار عربة يتم فيها طهي الطعام، ومكتوب عليها أنه تم إطعام ما يقرب من 12 ألف من المهاجرين اليونانيين في حلب.
ويعود تاريخ تلك الصورة لعام 1943 وهي معروضة للبيع على موقع أمازون الأمريكي، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه من جديد، ولكن هذه المرة فإن الصورة مقلوبة، حيث تعج وكالات الأنباء العالمية والصحف الكبرى وشاشات التلفزيون والشبكات الاجتماعية بصور سوريين دمرتهم الحرب وهربوا من جحيمها نحو أوروبا، لتكون اليونان أول وجهة للسوريين نحو اللجوء.
يوثق التاريخ أنه أثناء الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945 فر مهاجرون بسبب الحرب في أوروبا إلى دول الشرق العربي وكانت سورية البلد الأكثر أملاً في حياة آمنة.
وللكويت نصيب:
كما يحتفظ التاريخ بصورة يظهر فيها عدد كبير من الكويتيين الذين يسطفون في طابور بسياراتهم الخاصة، قاصدين معبر جابر الحدودي ومنه إلى سورية بسبب تأزم الأوضاع في الكويت إبان الحرب العراقية عليهم عام 1991، وقد استضافت سورية وقتها عدداً كبيراً من اللاجئين الكويتيين فاتحة لهم باب الوطن على مصراعيه، في حين تقفل الكويت اليوم كل أبوابها في وجه اللاجئ السوري، حتى أنها تبرر بأن السوريون لديهم مشاكل نفسية بسبل الحرب، مما يجعل دخولهم مصحوب بسلبيات على الكويت والخليج على وجه العموم، كما أن الكويت تعتزم إعادة فتح قنصليتها في دمشق لتعيد بناء علاقتها مع النظام الذي يقتل المدنيين.
نحن والعراقيين أكلنا حول مائدة واحدة:
وفي عام 2003 أثناء العدواء الأمريكي على العراق، لم يكتفي السوريون بفتح بيوتهم لاستقبال الأشقاء العراقيين، إنما ذهب عدد كبير من شبابنا في سورية للقتال إلى جانب القوات العراقية، عدا عما لاقته العائلات العراقية من ترحيب وحسن ضيافة في مختلف مناطق سورية، وأغلب العراقيين استقر في سورية ويعيش فيها حتى اللحظة.
سكن العراقيون في شقق سكنية جيدة وحصلوا على فرص عمل كعمال داخل سورية، إضافة لافتتاحهم محال تجارية في قلب العاصمة دمشق.
حزب الله يبصق في الصحن الذي أكل منه:
وفي عام 2006 استقبل السوريون ببساطتهم وطيبة قلوبهم عائلات يعود انتمائها الحزبي والعقائدي لحزب الله الذي جاء اليوم إلى سورية ليقتل المدنيين بحجة للمقاومة، وكانت سورية قد استقبلت اللبنانيين إبان حرب تموز التي افتعلها حزب الله مع إسرائيل على أرض لبنان، وخلال فترة النزوح التي استمرت شهوراً عدة، قام السوريون بجمع تبرعات مالية، وفتح بيوت وخيم إطعام، ولم يكلفوا اللبنانيين وقتها ليرة واحدة أثناء نزوحهم، بتكون المفارقة قاسية على السوريين، وليكن رد الجميل بمثابة رصاصة يوجهها مرتزقك حزب الله إلى صدور السوريين، حتى أن أغلب من يقاتل على أرض سورية من حزب الله جاء سورية طفلاً قبل عشرة سنوات نازحاً وأكل في الصحن الذي يبصق فيه ويكسره اليوم، ففي الزبداني قتل جندي من حزب الله شاباً زبدانياً استقبل أهله القاتل وذويه قبل سنوات كضيوف نازحين، فأي رد جميل هذا.
إضافة لوجود أمثلة كثيرة على استضافة سورية للنازحين، فحتى اليوم يعيش الصوماليون في سورية ويدرسون في جامعاتها، وقد تنكرت أغلب الدول العربية لسورية ورفضت مساعدة اللاجئين واستقبالهم باستنثناء بعضها وفي مقدمتهم السودان التي لم تتنكر لأخوة اللغة والعروبة والدين، فما فعلت؟.
السودان عروبة الدين واللغة:
على الرغم من كون السودان من أقل الدول العربية تواصلاً مع سورية اجتماعياً قبل الثورة السورية إلا أنه كان لسمرة النيل السبق في استضافة اللاجئين السورين، وهي الدولة العربية الوحيدة إن صح التعبير، حيث ينشر السودانيون عبارة (ضيوف وليسوا لاجئين) مشيرين إلى ال120 ألف مدني سوري قصدوا السودان للجوء.
ولم تفرض السودان تأشيرة دخول على السوريين خلافاً لباقي الدول العربية، وكفلت لهم الإقامة والتعليم والعمل.
وفي برنامج الواقع العربي على قناة الجزيرة نوقشت أوضاع اللاجئين السوريين في السودان والتسهيلات التي يحصلون عليها مقارنة بما يواجهونه في دول عربية أو أوروبية.
التعليم والسكن مجاناً للسوريين في السودان:
قال عبد الغفار علي حمد رئيس حملة (آفاق الخير)لاستقبال الضيوف السوريين في السودان أن قرار السودان استقبال السوريين بدون شرط الحصول المسبق على تأشيرة الدخول واعتبارهم ضيوفاً أعزاء على السودان يتسم مع القيم الكلية للشعب السوداني والعقل الجمعي الذي يعلي من قيم إكرام الضيف ونجدة الملهوف وإجارة المستجير، مؤكدا أن القران الكريم يأمرنا بإجارة حتى الكافرين فما بالك بأخوة لنا في الدين واللغة.
وأوضح الحمد أن السوريين يتمتعون في السودان بحقوق المواطنة، ومنها الإنتقال إلى أي مكان داخل السودان بحرية دون شرط الحصول على إقامة، وكذلك حق تلقي التعليم المجاني في المراحل الأساسية والثانوية والجامعية بدون فرض رسوم، إضافة إلى تلقي العلاج في المشافي الحكومية بالمجان، وحق العمل سواء في دواوين الدولة الرسمية أو في سوق العمل العام أو الخاص.
اندماج سريع للسوريين مع السودانيين:
وقال حمد بشأن الأليات التي يتم التعامل بها مع السوريين أن السوري الآن يسير بخطوات حثيثة للاندماج في المجتمع السوداني، وأنه فور وصوله إلى السودان تستقبله لجان في المطار وتسلمه إلى لجنة الإسكان التي تتولى حل مشكلة السكن، وأشار في هذا الصدد إلى وجود متبرعين من السودانيين لإيواء السوريين في منازلهم.
وقال الحمد أن الوقت لا يزال مبكراً لتقييم التجربة في استضافة اللاجئين، لكنه أكد أن الناظر للأمور يجد أن توفر عامل اللغة والدين والعقيدة وتقارب العادات والتقاليد وسماحة الشعب السوداني وقيمه المضيافة وعراقة الشعب السوري وما يتمتع به من حضارة يؤشر إلى أن الأمور ستسير في اندماج السوريين في المجتمع السوداني.
السوريون أكدوا على طيبة السودان وحسن الضيافة:
ومن جهته، أشاد رئيس حزب الجمهورية السوري المعارض محمد صبرا بتعامل السودان مع اللاجئين السوريين، وأكد أن السودان يقدم كل الحقوق التي نصت عليها اتفاقية اللاجئين عام 1951 وكافة بنودها.
وقارن صبرا بين تعامل السودان مع اللاجئين السوريين وتعامل بعض دول جوار سوريا معهم، وقال إن تركيا على سبيل المثال لم تمنحهم صفة لاجئ، وسمحت لهم بهامش معين من الحركة مثل بعض التعليم المجاني والخدمات الطبية والعمل بشروط معينة، في حين أن الأردن منح صفة لاجئ للسوريين داخل حدود المخيمات، لكنه لم يسمح لهم بالعمل.
ومع تأكيده على تفهم ظروف هذه الدول وعدم تحميلها أعباء إضافية دعا صبرا إلى ضرورة تقديم حزمة من الحلول لا تكون هذه الدول فقط مسؤولة عنها، لتحسين ظروف اللاجئين بحيث لا يكونون مجبرين على الهجرة إلى أوروبا.
وفي هذا الصدد، اقترح أن يتبنى مجلس التعاون الخليجي برنامجا مؤقتا لتشغيل ثلاثمئة ألف لاجئ سوري لمدة عامين فقط مع تعهدات بعدم بقائهم بعد هذه المدة. وأوضح أن كل فرد من هذا العدد قادر على إعالة عشرة أفراد، وبالتالي ثلاثة ملايين لاجئ.
معارضة عاجزة ومشلولة:
وقال صبرا: المعارضة السورية عجزت بالكامل عن تقديم مقترحات لدول العالم من أجل قضية اللجوء، وقال إنها قصرت ولم تقدم حلولا عملية وعقلانية لحل مشكل اللجوء وربما ارتكبت خطايا، لكن الوقت لم ينفد منها وبإمكانها تخفيف الأثر الاقتصادي للجوء بدول الجوار.
مصر أم الدنيا وأم السوريين:
(حالنا أفضل من حال غيرنا، الأسعار في مصر رخيصة، نحن شعب واحد، على الأقل لا نعيش بمخيمات)، إنها العبارات التي يرددها السوريون في مصر على الدوام، حيي تعتبر فئة كبيرة منهم أنه على الرغم من تردي أوضاع السوريين في مصر إلا أنها تبقى الأفضل لهم بالنسبة لنواحٍ كثيرة.
وعلى الرغم من العقبات التي تواجههم إلا أنهم لا ينكرون أن الشعب المصري احتضن الشعب السوري، وعدّه جزءاً منه، وأينما سرت لابد أن تلقى ترحيباً لكونك سوري، بعبارات من قبيل (أحسن ناس، أجدع ناس) وبات المصريون ينظرون للسوريين على أنهم شعب عامل قادر على الحياة فعلاً.
وغالبية السوريين في مصر يعملون بلا تصاريح عمل، وهذا ما يميزهم عن السوريين في لبنان والأردن مثلاً.
يذكر أن أعداد السوريين في مصر وفق آخر إحصائية للأمم المتحدة تجاوزت 165 ألف سوري، إلا أن الكثير منهم غير مسجلين في الأمم المتحدة ويصنفون من ميسوري الحال ورجال الأعمال مما يعني أن أعداد السوريين في مصر قد تتجاوز 400 ألف.
رزق العبي – وطن اف ام
وقبل كل هذا وذاك استقبل السوريون الأرمن عام 1915
واستقبل السوريون الفلسطينيين منذ عام 1948 وحتى اليوم
واستقبل السوريون مواطنين من كافة جنسيات العالم إما سياح وإما وافدين بهدف العمل أو الدراسة