رغم المخاطر الكبيرة على حياتهم، يفضل آلاف اللاجئين السوريين العودة إلى بلادهم لقضاء العيد مع عائلاتهم، فهناك يتنفسون نسيم الوطن وتقترب أرواحهم من أحبّةٍ اختطفهم الموت بعد أن طالبوا بالحرية.
لم يستطع الانتظار أكثر، فشدّ رحاله من مدينة غازي عنتاب التركية حيث يقيم ويعمل منذ عام ونصف العام، باتجاه مدينة الريحانية الحدودية ليبيت ليلته هناك، ويكون أول الواصلين إلى معبر باب الهوى القريب منها ليعود إلى قريته في ريف إدلب ، ويقضي أيام عيد الأضحى بين أهله.
استعد صالح (27 عاما) لهذه الرحلة منذ سماعه قرار السلطات التركية بالسماح للسوريين اللاجئين، والمقيمين على أراضيها لمن يحملون جوازات سفر أو بطاقة الهوية التركية (كمليك)، بالعبور من المنافذ الحدودية خلال أيام العيد، بعد أن منحتهم حق الرجوع بعد ذلك.
في السيارة التي استقلها من غازي عنتاب، كانت معه عائلات سورية قررت قضاء العيد في بلادها، في طقس سنوي تصر عليه على ما فيه من مشقة وعبء وتكاليف مادية، حيث تقدر الأعداد التي تعود إلى سوريا في ظل غياب إحصائيات رسمية خلال أيام العيد ما بين 300 و400 ألف سوري، أغلبهم من إدلب وحلب وريف اللاذقية الشمالي.
ويقيم في تركيا أكثر من مليوني لاجئ سوري يتوزعون على المدن الجنوبية القريبة من الحدود (غازي عنتاب، والريحانية، وأورفة، وإنطاكية..)، ويقيم آلاف منهم في أكثر من 23 مخيما أقامتها السلطات التركية خلال سنوات الثورة.
وأغلقت السلطات التركية معظم المعابر الحدودية مع سوريا، وسمحت للسوريين بالعودة عبر معبري باب الهوى الذي يفضي إلى ريف إدلب، ومعبر باب السلامة الذي يؤدي إلى حلب وريفها، كما افتتحت معابر أخرى لأسباب إنسانية على الحدود مع ريف اللاذقية.
حنين للديار
“ينتظر كثير من السوريين عيدي الفطر والأضحى للعودة لديارهم لأيام عدة رغم الصعوبات والمخاطر، و”هو ما يؤكد أن السوري مرتبط ببلاده وليس كما يروّج الإعلام عنه”، هكذا يقول صالح للجزيرة نت، مضيفا “لم يكن السوري يوماً صديقا للخيمة، ولم يكن يوماً عابراً للحدود، كان الآخرون يأتون إليه، ولكن إجرام الأسد دفعه إلى هجر بلاده، فتراه اليوم يعيش في تيه وضياع، ووصل به الأمر إلى رمي نفسه وأولاده في البحار أملا في الوصول إلى بر أمان”.
وتابع بعد وصوله إلى سوريا “الأمر يستحق كل هذا العناء والمشقة، فليس أجمل من قضاء العيد بين الأهل والأحباب”، مشيرا إلى أنه ذهب اليوم مع والده ووالدته لقراءة الفاتحة على قبر شقيقه الذي قضى وهو يقاتل نظاماً حرم السوريين من بلادهم وجعلهم ينتظرون العيد لرؤيتها.
من جانبه أكد الصحفي محمد فراس منصور أن وسائل الإعلام المختلفة تعرض كل يوم مشاهد صادمة لسوريين وصلوا إلى بلدان أوروبية مع عائلاتهم بعد استعار الحرب في بلادهم، لكن مشهد آلاف السوريين المتجمهرين على المعابر الحدودية يعد دليلا على ارتباط السوري بأرضه، وأنه يتحين الفرصة للعودة حتى وإن كانت مؤقتة.
أما الصحفي مرشد النايف فشدد على أن الأعياد تشكل احتفالا موسميا محملا بالكثير من الأعباء على كرامة السوري، الذي ينتظر ساعات طوال على المعابر حتى يتمكن من قضاء العيد في بلاده الذي اضطرته ظروف الحرب للهرب منها.
المصدر : الجزيرة