شهد عام 2013 أول تهديد سياسي روسي لرأس النظام بشار الأسد. في قول رئيس وزراء روسيا “ميدفيدف” إن الأسد ارتكب خطأ فادحاً لتأخره بتطبيق الإصلاحات، وإن “فرصه في الحكم تتضاءل”.
أجمعت وسائل الإعلام على أن هذا التصريح هو الأعنف بحق الأسد. فالحليف لايطالبه وحسب بتصحيح الأخطاء، بل يزرع القلق والشك في قلبه حول مصيره وضعف فرصه في البقاء رئيساً.
وصرّح رئيس الوزراء الروسي نفسه إلى وسائل إعلام أميركية، نهاية العام المنصرم، أن بلاده “تدافع عن مصالحها القومية في سوريا لا عن أشخاص بعينهم” مضيفاً أن “بقاء الأسد في السلطة” ليس مسألة “مبدئية” لموسكو.
يشار إلى أن “ميدفيدف” لم يتحدث مرة أخرى عن “الخطأ الفادح” الذي ارتكبه الأسد. قالها مرة واحدة مقرونة بـ”زعزعة” لحكم الأخير بالإشارة إلى تضاؤل فرصه في الحكم.
البعض فهمها دفعاً لرئيس النظام لارتكاب مزيد من المجازر، كي “لا تتضاءل فرصه في الحكم” والبعض الآخر فهمها “ضغطاً” عليه وعلى حلفائه، بأن روسيا تريد للجميع أن يفهم أنها “هنا”.
بين تصريحي ميدفيدف، ولدت الاتفاقية العسكرية مابين روسيا ونظام الأسد. اتفاقية مرت بأكثر من مرحلة. مرحلة زيارة الأسد إلى موسكو، هي جزء من الاتفاق العسكري “العملي” ثم مرحلة التدخل العسكري نفسه، ثم مرحلة الإعلان الرسمي عن الاتفاقية من قبل الطرف الروسي.
خطأ الأسد الذي لم يتم تصحيحه، على الأقل روسياً، اندرج في ثنايا “المصلحة القومية الروسية”.
وشكل الاثنان، الخطأ والمصلحة، بنية للدور الروسي في سوريا. ورأت مصادر سياسية أن الكلام عن “خطأ الأسد” هو زعزعة له وتهديد ضمني برفع “الحصانة” عنه. وتضاؤل “فرصه في الحكم” هو “إعدام” سياسي مبطّن. كما أنها “تهديد” لحلفاء “الخاطئ”.
ولهذا سارعت إيران إلى إعلان “الامتعاض” من تدخل روسيا العسكري. قالها الإيرانيون قبل الروس: موسكو تريد مصالحها.
وبنوع من “البكائية” بدأ الإيرانيون يذكرون الأسد بـ”تضحياتهم” لأجله. المصلحة الروسية “جبّت” ماقبلها.
وخطأ الأسد عوضاً من أن يعيقها، ساعدها. واتّحدا، معاً، خطأ الأسد ومصالح روسيا.
قال ميدفيدف للإعلام الأميركي: “نحن لانقاتل لصالح قادة محددين”.
المصلحة الروسية “تحتاج” إلى “خطأ الأسد” الفادح، بتعبير رئيس الوزراء الروسي.
النظام لم يعلّق في عام 2013 على تلك الزعزعة التي قام بها ميدفيدف ضد نظام الأسد. علماً أن كل وسائل الإعلام اتفقت على أن تصريحه هو الأقوى بحق بشار الأسد.
هذه المرة، الروس أنفسهم يتّهمون حليفهم “بخطأ فادح” قد “يقضي” عليه كما نقلت وسائل الإعلام. وهذه المرة، هم يقولون إن فرصه “تتضاءل في الحكم”.
الأسد طلب من روسيا أن تتدخل عسكرياً. نتيجة طبيعية لـ”الزعزعة” التي أحدثها ميدفيدف لحكمه. وتم إدراج “الخطأ الفادح” بـ”المصلحة القومية الروسية” التي تحدث عنها ميدفيدف.
بعض التقارير الصحافية تسأل: “ماذا بعد الحديث عن المصلحة الروسية في سوريا؟”.
فقد تم تتويج الزعزعة الروسية لحكم الأسد والإشارة إلى خطئه، باتفاقية عسكرية “دسمة” للروس تضمن بقاءهم طويلا في سوريا “مع الأسد وبدونه”.
لكن كيف سيتم تتويج الكلام عن “المصلحة القومية الروسية” في سوريا؟ وهل هناك ماهو أبعد من تواجدهم العسكري الذي تأسس على “خطأ فادح” لم يصححه الأسد، ونسيت روسيا أنها أشارت اليه؟
تشير كل التوقعات إلى أن الروس يريدون سوريا ميداناً عسكريا متقدماً لحروب موسكو، تصفي فيه مشاكلها التاريخية والجيوسياسية. ولا أدل على ذلك إلا بالإعلان عن “المصلحة القومية الروسية” في سوريا، بعد “خطأ” الأسد “الفادح” الذي يبدو أنه لايقارن، الآن، بخطيئة تحويله الأرض السورية إلى جبهة قتال “نظيفة” يحارب فيها الروس بعيداً عن بلادهم آلاف الكيلومترات خدمة “لمصالحهم القومية” في سوريا التي لن يكون رئيسها “خاطئاً” بعد الآن، خصوصا بعدما أمّن للروس مكاناً يخوضون فيه حروبهم القادمة.
المصدر : العربية