علا صوت رجل بلحية يرتدي كوفية ملونة بالغناء مرددا أغنية دينية، بينما أخذ جمهوره من الإيرانيين يضربون صدورهم بأيديهم وقد غلبهم الحماس.
ردد سعيد حداديان المداح الشيعي المعروف أغانيه وسط متطوعين على جبهة القتال في سوريا، ونشرت مقاطع منها على الإنترنت في كانون الثاني/ يناير الماضي في مؤشر على الدور السياسي المتزايد للمداحين الذين يؤدون الأناشيد الدينية ويحظون بتوقير المتشددين في إيران.
وقال محمد جواد أكبرين، وهو رجل دين سابق وباحث شيعي درس في مدينة قم المقدسة لدى الشيعة ويعيش حاليا في الخارج: “في بلد تحظر فيه الموسيقى ولا متنفس للشبان الصغار لتفريغ طاقاتهم، يجب أن توفر بديلا رسميا أكثر ولا يسبب مشاكل”.
وأضاف أكبرين: “المدح نسخة من موسيقى الراب والروك والموسيقى الراقصة. يؤدون أناشيدهم بنفس الحماس والإثارة. أحيانا تكون الأناشيد نسخة طبقة الأصل من الأغاني الشعبية. يتعاملون مع أغنية عاطفية ويحولونها إلى أغنية عن العشق الديني”.
وفي الفترة الأخيرة، لعب المداحون دورا بارزا في تأجيج الحماس للمشاركة العسكرية بسوريا، حيث يقول معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن عددا قياسيا من الإيرانيين بلغ 58 قتلوا الشهر الماضي أثناء المساعدة في دعم بشار الأسد.
وقال حداديان الذي نشرت صوره أثناء زيارة لجبهة القتال في ملابس مموهة وقد أحاطت بجسده شرائط الذخيرة في مقطع فيديو بث على الإنترنت: “ذهبت إلى سوريا لإظهار الاحترام والتقدير للمقاتلين. يفعلون هم ما لا نستطيع نحن حياله إلا الكلام”.
وسافر ستة مداحين مشهورين على الأقل إلى سوريا، ونشرت صورهم ومقاطع فيديو لهم أثناء رحلاتهم على الإنترنت.
وفي إيران، تباع أسطوانات لأناشيد المدح أمام المساجد. وتقدم في طهران دروس في المدح. ويرتبط كبار المداحين بصلات مع الحرس الثوري الذي يعد أهم قوة عسكرية واقتصادية في البلاد وبقوات الباسيج التي يشرف عليها الحرس الثوري. وتدفع مؤسسات حكومية رواتب بعض المداحين وتأميناتهم وتمنحهم قروضا ومعاشات.
وسبق لحداديان أداء أناشيد المدح في حضور الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي وقائد الحرس الثوري قاسم سليماني. والتقطت له صور مع الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي شغل المنصب بين 2005 و2013 وشهد عصره ازدهار المدح.
وقال أمير فارشاد إبراهيمي العضو السابق بجماعة أنصار حزب الله الذي يعمل حاليا صحفيا خارج إيران: “ضخ أحمدي نجاد حيوية جديدة في المدح. الحكومة تساند المداحين، لكنها أيضا تستخدمهم لأغراضها الخاصة.”
[youtube height=”320″ width=”640″ align=”left|right|none”]https://www.youtube.com/watch?v=78s2k2swxnY[/youtube]
دعاية
وفي أحدث دور لهم متمثل في استقطاب متطوعين في سوريا، فإنهم قد نالوا رعاية من جانب الدولة فيما يبدو. وقال حميد رضا عليمي الذي كان من الرواد، أمام جمهور من أعضاء الباسيج الشبان في فيديو وضع على الإنترنت عام 2013، إن السفارة الإيرانية ساعدت في تنسيق واحدة من رحلاته.
وتظهر صور موضوعة على الإنترنت عليمي وهو يرتدي سترة عسكرية مموهة ويشير إلى بندقية كلاشنيكوف. وله أيضا صورة وهو يقف أمام صورة لزعيم جماعة حزب الله السيد حسن نصر الله. الذي يقاتل حزب الله علنا إلى جانب قوات الحكومة السورية.
وقال أكبرين: “إنهم يستخدمون المداح لحشد القوات كي تذهب للقتال في سوريا… المداح مهم للغاية للدعاية”.
وينشد المداح بصورة خاصة أناشيد تشدد على أهمية الدفاع عن الأماكن المقدسة كضريح السيدة زينب بالقرب من دمشق وهو وواحد من أقدس المزارات الشيعية.
وفي الشهور الأخيرة، تعرض المزار لعدة تفجيرات انتحارية وهجمات بسيارات ملغومة شنها تنظيم الدولة.
ويشبه دور المداح المطالب بالدفاع عن المزارات الدور الذي لعبه المداحون خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات حينما دعوا إلى تحرير المزارات في العراق من سيطرة صدام حسين. ولكن المداحين أكثر تنظيما الآن.
وبعد إعادة انتخاب أحمدي نجاد في انتخابات مختلف عليها عام 2009 أدى بعض المداحين أناشيد وسط حشود من الباسيج لحث المتطوعين على قمع الاحتجاجات التي نظمها خصوم أحمدي نجاد. وانضم اثنان من المداحين على الأقل إلى متطوعي الباسيج في التصدي للمحتجين.
ومنذ أن ترك أحمدي نجاد السلطة عام 2013 تواصل دعم الحكومة وخدماتها للمداحين، واتخذ ذلك شكلا رسميا من خلال مؤسسة “بونياد”، وهي صندوق خيري تموله الحكومة بشكل رئيسي. ولم تفلح محاولات الوصول إلى المداحين الواردة أسماؤهم ولا المكتب الإعلامي للحرس أو حتى مؤسسة بونياد.
ومنذ بدء الصراع في سوريا، أدى مداحون معروفون بشكل منتظم أناشيد خلال اجتماعات المتطوعين “المدافعين عن المزار”.
وقال علي الفونة وهو خبير مستقل في شؤون الحرس مقره واشنطن في رسالة بالبريد الإلكتروني: “يتلقى المداحون دعما لوجستيا من الحرس الثوري الإيراني وجماعة حزب الله على حد سواء… إن انتشارهم في سوريا له حساباته، وفقا للنشاط العسكري للحرس الثوري الإيراني في سوريا”.
وعادة ما ينشدون في جنازات المتطوعين الإيرانيين الذين يقتلون في المعركة والذين زادت أعدادهم في الشهور الأخيرة.
وقال إبراهيمي: “إنهم يحملون الكفن أو يؤدون الأناشيد… وبالنسبة للجمهورية الإسلامية عندما يقتل عضو من الحرس أو الباسيج في سوريا فإن تلك تكون بداية العملية. يجري نقلهم إلى إيران لإجراء شعائر جنازة الشهيد. ويصير الحدث مسرحا للدعاية للجمهورية الإسلامية”.
المصدر : عربي 21