“إن مجلس محافظة حمص، يدعوكم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والقيام بواجباتكم الإنسانية، بغض النظر عن أي ظروف سياسية تمر بها الأحداث الحالية، ويحملكم كامل المسؤولية في حال تطور الأمور أو تدهورها خلال الأيام القليلة القادمة” كان ذلك جزءا من رسالة وجهها مجلس محافظة حمص الحر يوم أمس للسيد يعقوب الحلو ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في سوريا، يطالبه فيها بضرورة تحمل الأمم المتحدة المسؤولية الكاملة للكارثة التي يدخلها حي الوعر، مذكرا بجرائم الحصار التي يمارسها النظام ضد مدنيي الحي.
ويدخل حي الوعر حصارا خانقا للشهر الثالث على التوالي، حيث عاد النظام لسياسته هذه من جديد بسبب رفض الأهالي داخل الحي لطلبين خطيرين يريد النظام فرضهما بتطبيق سياسة التجويع تحت أعين الأمم المتحدة، يتمثل الأول بتهجير جميع سكان الحي الذي يقدر عددهم بمئة ألف نسمة، والثاني التخلي عن المعتقلين الذين يمثلون الهدف الأساس في اتفاق حي الوعر الذي وقع بتاريخ “1/12/2015”.
وتتجلى مظاهر الحصار في كل مفاصل الحياة في الحي، وخاصة غذائيا وطبيا.
سوء التغذية المرض الأول
قام النظام ومنذ إعادة الحصار بمنع إدخال جميع المواد للحي، فمنع دخول القوافل الإغاثية للمنظمات الدولية، كما منع إدخال كل المواد ومن بينها الغذائية، وكما منع إدخال الخبز والطحين الذي كان يعتمد عليه سكان الحي في غذائهم بشكل رئيسي، ومنع أيضاً إدخال حليب الأطفال، كل ذلك تسبب بتصدر أمراض سوء التغذية قائمة الأمراض في الحي، وأصبح أكثر من 60% من مراجعي المشافي والعيادات هم مرضى يعانون من أعراض سوء التغذية.
وحسب آخر الإحصائيات سجل في الحي ست عشرة حالة سوء تغذية شديد عولجت أو ماتزال تعالج داخل المشافي، وسبع وثلاثين حالة سوء تغذية متوسطة مرشحة أن تصبح شديدة، وأكثر من ثمانين حالة بدايات سوء تغذية، ويقول الطبيب أبوالمجد “عاينت الكثير من حالات الإسهال عند الأطفال دون الستة أشهر وكان السبب هو عدم مقدرة الأم على الإرضاع الطبيعي بسبب سوء التغذية التي تعاني منه، مما أجبرها لاستخدام الإرضاع الصناعي، والذي أضحى يتم بإرضاع الأطفال ماء الرز أو ماء النشاء، وكلها غير مناسبة للأطفال ولاتناسب الوارد الغذائي اليومي اللازم للطفل، ويلجأ لها الأهالي بسبب عدم وجود حليب الأطفال”، وأدت التغذية غير المناسبة لظهور حالات سوء امتصاص وفقر دم ووذمات في الأطراف وإسهالات متكررة وعدم كسب وزن للطفل بما يلائم عمره، ويقول أبوالمجد مضيفا “كما لم نعد نستطيع تأمين كميات الدم المنقول، حيث أن المتبرعين يعانون من نقص التغذية، مما يجعل التبرع خطرا على حياتهم”.
ورصد أطباء الحي حالتي “حَبَن” وهو احتباس السوائل في منطقة البطن وانتفاخ البطن غير الطبيعي نتيجة نقص البروتينات لغيابها في الوارد الغذائي اليومي لسكان الحي.
ويصف جمال أحد سكان الحي كيف يخصص لكل طفل من أطفاله الأربعة مامقداره كأس شاي من البرغل أو الأرز كوجبة رئيسية بسبب نضوب الغذاء لديه وعدم وجود أي شيء في المحلات التجارية يؤكل، مما انعكس على أطفاله الذين أصيبوا بأعراض سوء التغذية.
كارثة طبية
الحصار المفروض على الحي حاليا، لم تسمح الهدنة التي سبقته بتحسين الوضع الطبي في الحي، فقوات النظام تمنع إدخال الأدوية الإسعافية والجراحية منذ أكثر من عامين ونصف، واستمر المنع رغم الهدنة، ورغم دخول وفود المنظمات الدولية، التي لم تستطع إدخال أي كمية من تلك الأدوية، وسجل في الحي خلال الشهرين الماضيين حالتي وفاة لطفل ورجل نتيجة عدم القدرة على إسعافهم أو تقديم خدمات دوائية لهم، كما ظهرت حالات تشوه أجنّة يعود سببها على الأغلب لانتهاء صلاحية الأدوية المستخدمة من قبل النساء الحوامل.
فالنظام لم يسمح خلال فترة الهدنة إلا بدخول الأدوية المزمنة والحادة، ومنع إدخال المستلزمات الإسعافية والجراحية ومنع إدخال المكملات الغذائية ومنها حليب الأطفال الذي منعه منذ عودة الحصار.
ولابد من الإشارة لقطع النظام الكهرباء عن الحي، التي يزود بها النظام الحي بمدة لا تتجاوز ستون دقيقة كل24ساعة، مما يهدد حياة (مرضى الفشل الكلوي، ومرضى القلب، والأطفال الخدج الذين يحتاجون لرعاية خاصة في حاضنات) والبالغ عددهم أكثر من ثلاثمئة شخص، وقد حصلت حالة وفاة نتيجة عدم توفر الكهرباء المحروقات اللازمة لتشغيل المولدات.
قوافل الإغاثة معرقلة
كان من المقرر يوم الخميس الفائت دخول قافلة مساعدات إنسانية من الأمم المتحدة ومنظمة الصليب الأحمر، هذه القافلة التي عرقل النظام إدخالها عدة مرات رغم أن الموافقة الأمنية التي أعطاها النظام كانت قبل بداية شهر نيسان الماضي، وقال موظفو الأمم المتحدة في مكتب حمص أن النظام اتصل بهم أثناء تجهيز القوافل ليخبرهم بتأجيل الدخول حتى إشعار آخر، رغم تواجد محافظ حمص التابع للنظام عند حاجز الشؤون “مدخل الحي الوحيد” وهو ينتظر القافلة ليصور دخول القوافل للحي.
خاص لـ وطن إف إم