استطاع التلميذ السوري محمد الكوشك (16 عاما) اللاجئ في لبنان، أن يربط اسم بلده هذه المرة بقضية غير الحرب ومعاناة اللجوء، بل بالنجاح والتفوق بعدما حلّ ثانيا على مستوى البلاد في امتحانات إنهاء المرحلة المتوسطة (الصف التاسع).
فالطفل الهارب من جحيم القتل اليومي الذي يمارسه نظام الأسد بحق أهل مدينته داريا في الغوطة الغربية لدمشق، تحدى كل معوقات اللجوء، وحتى وجوده في مدرسة حكومية يكتظ صفها بـ41 طالبا، واستطاع التفوق بمساعدة أسرة وفرت كل الجو المناسب لأولادها الستة للنجاح وحب العلم.
يقول محمد لـ “الأناضول” عن تفوقه إنه “حين علم أهلي بنجاحي تفاجأوا كثيرا، وكان يوم فرح غامر بالنسبة لنا.
حتى بالنسبة لي، فاجأتني النتيجة جدا، ولم أكن اتوقع أن أحل ثانيا على مستوى لبنان”.
ويصف عزمه على اجتياز العقبات قائلا “حين أتيت إلى لبنان كنت في الصف السابع (منذ سنتين).
التحقت أولا بمدرسة رسمية لبنانية في بلدة مجدل عنجر (شرق لبنان)، وهناك واجهت بعض الصعوبات والعقبات، رافقتني حتى بداية العام الدراسي في الصف التاسع، لكني استطعت تخطي ذلك كله بالمتابعة والمثابرة”.
ويشيد محمد بالجو الطلابي المحيط به “كان في صفي 41 طالبا، الكثير منهم شجعوني وحفزوني للنجاح، الحمدلله كان محيطي من الطلاب المميزين”.
ويوجه رسالة إلى أقرانه من الطلاب السوريين “ليس هناك من ظروف يجب أن تقهر الانسان، أو تستطيع الحد من طموح من يأمل الوصول للأفضل ويرفع رأس بلده”.
ولا يبدو أن هناك من حدود لطموح محمد وعزيمته، وهو يقول “أفكر بأني سأصبح طبيبا خلال عشر سنوات”.
من جهته، يقول ماجد كيوان، مدير مدرسة شحيم الرسمية الأولى، حيث يدرس محمد، لـ “الأناضول”، إنه في بداية العام الدراسي “لم يكن (محمد) بالمستوى الذي بلغه مؤخرا.
لكن حين تكيف مع المعلمين خلال أول شهرين، كانت توقعاتهم منذ ذلك الحين أنه سيتفوق”.
ويضيف كيوان “لاحظ المعلمون أن محمد كان شديد التركيز، لم يكن يسمح لشيء أن يشتته، كل ما يجري في الصف لا يعنيه، ونحن نتكلم عن صف كبير يضم 41 تلميذا”.
ويشدد على أن لا تفرقة بين التلاميذ اللبنانيين والسوريين في مدرسته، حتى حين توزيع مساعدات المنظمات الدولية، لكنه يردف مفتخرا بمحمد “الآن صار يمكنني أن أميّزه عن رفاقه لأنه رفع اسم مدرسته عاليا”.
وفي هذا السياق، يقول سعيد الكوشك، والد الطفل المتفوق، لـ “الأناضول”، إن “تفوق محمد بدأ باكرا، حين كنا في بلدنا (سوريا)، كان في الرابع الابتدائي، ورائدا (متفوق) على مستوى الغوطة الغربية وريف دمشق لتميزه بمادة الرياضيات”.
ولسعيد سبعة أولاد، “ستة منهم ملتحقون في المدارس في صفوف الثالث والرابع والسادس والثامن والتاسع والعاشر”.
ويضيف عن تفوق أولاده العلمي، أن “الأربعة الأوائل حصلوا على إعفاء (من الأقساط المدرسية)، لحصولهم على درجة امتياز في امتحانات نهاية العام، ومحمد كذلك تميز بشهادته، وابنتي الكبيرة في الصف العاشر حصلت كذلك على الدرجة الاولى”.
ويشير الى الجهد المبذول في المنزل من قبل الأم والأب الذين يدركان أهمية العلم، بالقول “كنت أساعد أولادي (في الدراسة) إلى جانب أمهم التي لها الفضل الأكبر وتقضي وقتا أكبر معهم في المنزل”.
ويوضح سعيد أن هناك تنظيما لأوقات الأولاد بحيث تخصص ساعات للدراسة وأخرى للراحة والطعام وغيره “على أن يساعد كبيرهم صغيرهم في الدرس، وإن وجد أحدهم صعوبة في الترجمة مثلا يمكنه أن يستعين (بمحرك البحث) غوغل.
فرغم ظروفنا الصعبة فتحت لهم المجال لاستخدام الانترنت، ولو باستخدام الهاتف الجوال”. تدمع عينا سعيد فرحا وهو يعرب عن تمنياته بأن يحقق أولاده نجاحات مماثلة، فـ “العلم جميل جدا وأدعو الله أن يساعدهم كما أساعدهم من جهتي”.
وكان مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيروت، أعلن بتقرير في 8 حزيران/يونيو الجاري، أن عدد الأطفال اللاجئين السوريين المسجلين بالمدارس الحكومية في لبنان بلغ نحو 158 ألف طفل في مراحل الحضانة وصولا إلى الصف التاسع.
وطن إف إم / اسطنبول