يعد العثورعلى شريك الحياة المناسب من بين التحديات التي تواجه الشباب السوري اللاجئ بألمانيا. فللعادات والتقاليد دور كبير في المجتمع السوري، والتي تؤثر بشكل أو بآخر على حلم الشباب بالاستقرارالعاطفي في بلد اللجوء.
العيش باستقرار وبناء حياة جديدة مع شريك الحياة المناسب هو حلم معظم الشباب اللاجئ في ألمانيا. ففي حين لا يزال البعض ينتظر الفرصة لبناء أسرته الصغيرة، استطاع البعض الآخر تحقيق حلمه بعد رحلة بحث طويلة. في التقرير التالي يطرح بعض الشباب السوريين في ألمانيا تجاربهم وآراءهم المختلفة حول البحث عن النصف الآخر في بلد اللجوء.
“جازة الغربة”
شاب سوري وصل حديثاً إلى ألمانيا يتحدث مع والدته التي تعيش في سوريا عبر الهاتف ويخبرها عن رغبته في البحث عن شريكة حياته. لكن الأم تبدي غضبها من تصرفه وتذكره بعاداته وتقاليده، التي نسيها بعد وصوله إلى ألمانيا. فالأم هي المسؤولة الأولى عن البحث عن العروس المستقبيلة. وبعد نقاش طويل، حاول الشاب كسب رضى أمه بترك مهمة البحث لها، مكتفياً بتحديد مواصفات فتاة أحلامه. بعد مرور شهرين، يتصل الشاب مجدداً بوالدته ليخبرها أنه وجد أخيراً الفتاة التي كان يبحث عنه وهي ألمانية… هذا المشهد هوعبارة عن مقطع فيديوعلى موقع “يوتيوب” لعمر مسلماني يسمى “جازة الغربة”. يبلغ مسلماني من العمر 20 عاماً، وهو شاب سوري استطاع في فترة وجيزة تعلم اللغة الألمانية وخلق شعبية له في أوساط اللاجئين الشباب بألمانيا.
يعالج عمرمن خلال قناته على “يوتيوب” مواضيع مختلفة تهم الشباب السوري اللاجئ في ألمانيا، كتعلم اللغة والاندماج والزواج. وعن فكرة تطرقه لموضوع زواج السوريين من ألمانيات، يقول عمر لـDWعربية: “فكرة الفيديو يمكن فهمها بطريقتين: شاب تخلى عن عادات وتقاليد أهله بعد وصوله إلى ألمانيا وارتبط بفتاة أحبها ولكنها على عكس رغبة أمه، والفكرة الأخرى أن هناك شباب مستعدون للارتباط بفتاة مخالفة تماماً لمواصفات شريكة حياتهم مقابل الحصول على الجنسية الألمانية“.
مقطع الفيديو هذا لاقى ردود أفعال متباينة، منها بعض التعليقات التي وصفته بالعنصرية وذلك بسبب اختياره لفتاة سمراء البشرة للقيام بدور الفتاة الألمانية. حول تلك التعليقات يقول مسلماني: “كل شخص يرى الجمال بشكل مختلف، فكما هناك من يحب الشقراء، هناك أيضاً من يرى الجمال في السمراء، والفتاة لعبت الدورعن اقتناع تام”.
ارتبط عمر مؤخراً بفتاة سورية لاجئة في ألمانيا، بعد أن اكتشف أنه لا يمكنه الارتباط إلا بفتاة من نفس بلده. في هذا الصدد يوضح الشاب السوري: “هناك أشياء كثيرة كانت تدور في رأسي، وبعد عدة علاقات عابرة مع ألمانيات، أحسست أنه يجب أن أوقف هذه العلاقات. كما كنت دائماً على يقين بأن اللحظة التي أرتبط فيها بابنة بلدي ستأتي، لأنها تفهمني أكثر ونتقاسم نفس الذكريات وعشنا الأحداث نفسها بسوريا“.
رحلة لجوء وتعارف
تعرفت الشابة السورية لمى، البالغة من العمر 23 عاماً،على شاب سوري عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، فتعلقت به وأحبته. وبعد زواجهما بيوم واحد فقط في سوريا، بدأ الزوجان رحلة لجوئهما إلى ألمانيا. ترتسم على وجه لمى ابتسامة عريضة وهي تتذكر رحلتها الشاقة مع زوجها إلى ألمانيا قائلة: “لقد قضيت شهر العسل بالطريق”. وتتابع الشابة السورية، التي تعرفت على زوجها أكثر خلال رحلة اللجوء إلى ألمانيا، سرد تجربتها لـDWعربية: “لقد كانت فترة تعارفنا قبل الزواج قصيرة جداً، ولكن بعد زواجنا بيوم واحد في سوريا، بدأنا رحلة لجوئنا إلى ألمانيا وكانت هذه الرحلة أيضاً رحلة تعارفنا على بعضنا البعض أكثر”.
وتشير لمى، التي وصلت برفقة زوجها إلى ألمانيا منذ تسعة أشهر فقط، إلى أنه لم تكن لديها من قبل أي تصورات معينة عن مواصفات شريك حياتها، ولكنها كانت تفضل أيضاً أن يكون من نفس بلدها، معللة ذلك بأنه “أفضل لأننا نعرف تقاليد وعادات بعضنا البعض”. لكنها لا ترى وجود أي سلبيات في الزواج بين الألمان والسوريين، لأنها تؤمن أنه لا يوجد فرق بين الأديان، طالما أن هناك إيمان وحب واحترام متبادل بين الطرفين.
حب في زمن اللجوء
بالرغم من الصعوبات التي تواجه اللاجئين بألمانيا في لم شمل عائلاتهم، تمسك محمد عجان، وهو شاب سوري يبلغ من العمر 26 عاماً، بحب صديقة طفولته، التي لا تزال تعيش حالياً في سوريا. يعيش محمد بألمانيا منذ عام 2015، وخطب مؤخراً الفتاة التي اختارها شريكة حياته بعد إعجاب وحب متبادل. يقول محمد لـDWعربية: “هذا لم يكن قراري، لأنني شخصياً لا أهتم بجنسية شريكة حياتي ولا دينها ولا طائفتها، وكل ما يهمني هو وجود أشياء أخرى أهم مثل الحب والتفاهم والإخلاص والأخلاق”.
وذكر الشاب السوري أن العادات والتقاليد لا تتحكم في اختياره، إلا أن هناك أشياء لا يمكنه التنازل عنها، متابعاً بالقول: “بحسب منظوري الشخصي، ليست لديّ مشكلة أن أرتبط بفتاة مطلقة ولكن لا يمكنني مثلاً الارتباط بفتاة مرت بعلاقة غير شرعية، خصوصاً إذا كانت الفتاة عربية وملمة بالعادات والتقاليد”.
زواج “باب الحارة” ولَى
هذا ويرتبط قرارالزواج بعادات وتقاليد متجذرة في المجتمع السوري، كمشورة الأهل وإشراكهم في اختيار الزوجة، والتي لمس بعض الشباب اختفاء معالمها خلال سنوات الحرب الماضية وظروف اللجوء.
ويقول يحيى، البالغ من العمر 26 عاماً من مدينة دير الزور ووصل إلى ألمانيا منذ ستة أشهر، وهو ناشط في مواقع التواصل الاجتماعي ومؤسس المجموعة المغلقة للزواج والتعارف على فيسبوك المسماة “زواج السوريين في ألمانيا“، إنه لحد الآن حصلت عشر حالات زواج بين اللاجئين السوريين في ألمانيا عن طريق صفحته، التي تعد واحدة من بين صفحات للتعارف والزواج انتشرت مؤخراً بشكل ملحوظ.
ويفسر يحيى ذلك في بداية حديثه لـDW عربية بأزمة يعاني منها العديد من أبناء جيله، ألا وهي العثور على شريكة الحياة المناسبة في ظل ظروف الحرب واللجوء، مضيفاً: “يراسلنا شباب سوريون بمواصفات تتمناها أي فتاة من وسامة وأدب وأخلاق ومستوى دراسي وثقافي عال وبدون شروط، فمنهم من ليسلا يمانع في الارتباط بفتاة مطلقة أو تكبره بالسن. مطلبهم الوحيد هو الاستقرار العاطفي، الذي أصبح صعب المنال بالنسبة للشاب السوري“.
ويفتقد يحيى لنمودج المرأة الشامية التي تشتهر ببراعتها في تدبير شؤون منزلها وطاعة زوجها. أما عن مواصفات شريكة حياته فيقول: “أتمنى الزواج من فتاة سورية محجبة وبنت حلال تطيع زوجها وتصونه”، ولكنه يستدرك قائلاً: “ولكن الوضع الذي لمسته لا يبشر بأن أجد هذه المواصفات. يمكن أن أتزوج أنا أيضاً بألمانية، من يدري؟”
ويعزو يحيى السبب في ذلك لتغيرعقلية بعض الفتيات السوريات في ألمانيا، واللَواتي أصبحت لديهن شروط تعجيزية، بحسب قوله. وتشاطره لمى الرأي بأن بعض بنات بلدها كان يقبل الزواج من أي شاب في بلدهن، حتى لو كان يكبرهن سناً أو كان مطلقاً. لكن بعد وصولهن إلى أوروبا، تغيرت أفكارهن وأصبحن يطلبن مهوراً تعجيزية ومنهن من طلبن الطلاق.
في المقابل، ترى كل من هنادي، 24 عاماً، وإلين، 26 عاماً، وهن لاجئات في ألمانيا، أن وصول الفتيات لبلد يضمن لهن حقوقاً كن يحلمن بها في بلدهن، كالتعليم والاستقلال المادي والحرية في الارتباط، جعل بعض الشباب يتوجس ريبة من الارتباط حتى بسوريات ويتذمرون من وضعهن الجديد.
أما عمر، فلاحظ أيضاً تغيرعقلية بعض الشباب في ألمانيا وتخليهم عن عادات وتقاليد الأهل، معتبراً أن “الشعب السوري شعب محافظ وأغلب العائلات لا تزال متمسكة بعاداتها وتقاليدها. كما أن للأم في المجتمع السوري دورفي اختيار شريكة حياة ابنها”.
الزواج طريق لنيل الجنسية أم للاندماج؟
تزوج محمد، 28 عاماً، منذ سنة فتاة ألمانية تعرف عليها في إحدى الفعاليات التي تقام لصالح اللاجئين. يتحدث محمد عن تجربة زواجه قائلاً: “زوجتي عضوة بإحدى المنظمات التي تساعد اللاجئين وهناك تعرفت عليها وعلى أهلها فيما بعد، وقضينا وقتاً طويلاً ليتعرف كل منا على ثقافة الآخر ويحترم خصوصياتها”.
حرصت زوجة محمد على إدماجه في المجتمع الألماني قبل زواجهما، وذلك بمساعدته في طلب اللجوء والدراسة، ما أسهم بشكل كبير في خلق تقارب بينهما ونجاح زواجهما فيما بعد، كما يقول. وعن ردة فعل عائلته بعد إخبارهم بقرار زواجه قال: “التجربة الناجحة لزواج خالي بألمانية، والتي تمتد لـ45 عاماً، كان لها الفضل في تقبل عائلتي لزواجي”. هذا ويعيش محمد حالياً مع زوجته الألمانية في مدينة ماغدبورغ، حيث ينتظران مولودهما الأول.
لكن آراء الشباب السوري حول تجربة الزواج من ألمانيات ما تزال متباينة، فعمر يرى أن هناك فئة من الشباب لا تهتم بالعادات والتقاليد ويريدون خوض حياة جديدة والانخراط بالمجتمع الألماني، مضيفاً: “هذه التجربة يمكن أن ننظر لها بشكل إيجابي كوسيلة لمساعدتهم على الاندماج في المجتمع الألماني”.
في المقابل، عبر محمد عن رفضه الشديد لفكرة الزواج من ألمانية للحصول على الجنسية، لأنه يعتبر هذا الأمر لعباً بالمشاعر، ويشرح بالقول: “أعتبر هذا الأمر تفاهة ولعباً بمشاعر الإنسانة التي يرتبط بها. أنا شخصياً غير مستعد للارتباط بفتاة لا تربط بيني وبينها أي مشاعر حب مقابل الحصول على الجنسية الألمانية أومقابل كل أموال الدنيا”، فيما ذهب يحيى إلى ذكر سبب آخر يدفع بعض الشباب إلى تفضيل الزواج من ألمانية، وهو بعض التجارب الفاشلة لهم مع بنات بلدهم، اللَواتي أصبحت لديهن متطلبات خيالية، بعكس الفتاة الألمانية، التي تبحث عن الحب والإخلاص.
ومن المنظورالاجتماعي، يرى الباحث الاجتماعي سامي شرشيرة أن هناك فئة من اللاجئين، ليس فقط السوريين، تصر على البقاء في ألمانيا. ويقول شرشيرة في حديثه لـDWعربية: “هناك فئة من اللاجئين مستعدة لفعل أي شيء، لضمان البقاء في ألمانيا، كما شاهدنا مؤخراً عدداً من اللاجئين المسلمين الذين اعتنقوا المسيحية من أجل البقاء في ألمانيا. هناك فئة أخرى من تختار طريقة الزواج”.
لكنه يشير إلى أن زواج الرجل المسلم من ألمانية لايمثل إشكالية كبيرة له في محيطه الإجتماعي، بعكس زواج المسلمة من رجل غير مسلم، وهو أمر غير مقبول في محيطها الاجتماعي بحكم اختلاف الدين والعادات والثقافة.
ولايعتقد الباحث الاجتماعي أن اللاجئين السوريين بحاجة ماسة إلى الزواج من الألمان لضمان حق الإقامة، لأن فرصة حصولهم على اللجوء السياسي والبقاء في ألمانيا مرتفعة مقارنة بباقي الجنسيات الأخرى.
المصدر : DW