مع كل صباح تنطلق حافلات عبارة عن مدارس في جنوبي سوريا لتتجول بين مخيمات النزوح في رحلة تهدف إلى تعويض أطفال المخيمات، ولو جزئيا، عن غياب المدارس، حيث تعمل على إنقاذ هؤلاء الأطفال من ظلام الأمية وغياهب الجهل في ظل الحرب المتواصلة منذ عام 2011.
الحافلات التعليمية – أو المدارس “الموبايل” كما يطلق عليها – تحمل مدرسين متطوعين ومقاعد دراسية وكراسات وكتب، وما إن تصل المخيمات في الوقت المحدد حتى يكون الأطفال في الانتظار، فيصعدون إليها، لينالوا قسطا من العلم والترفيه والدعم النفسي، ثم ينزلون من الحافلات، لتنطلق إلى مخيمات أخرى، وفق برنامج محدد مسبقا.
ووفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف)، في مارس/ آذار الماضي، فإن 2.8 مليون طفل سوري في سوريا والدول المجاورة لم يلتحقوا بالمدارس بسبب الحرب بين قوات النظام والمعارضة.
ومع هذا الوضع، توصلت إحدى المنطمات الإنسانية المحلية في سوريا إلى فكرة المدارس المتنقلة، بعد أن ارتفع خطر تفشي الجهل، وارتفاع نسبة الأمية بين أطفال النازحين، وخاصة في ريف درعا الشرقي وريف القنيطرة الغربي، حيث لا توجد مدارس، ولا تبدو في الأفق عودة قريبة للنازحين إلى بلداتهم وقراهم.
دعم وتعليم وترفيه
“أيام عزيزة”، وهو مدرس من الكادر المخصّص لإحدى حافلات التعليم المتنقل في ريف درعا الشرقي، قال لوكالة الأناضول إن “منظمة غصن زيتون، المختصة في الشؤون الإنسانية والتعليمية في درعا والقنيطرة (غير حكومية)، عملت على إتمام مشروع باص (حافلة) التعليم المتنقل عبر تجهيز أربع باصات، وتخصيص سائق ومدرّسين اثنين لكل واحد، لزيارة مخيمات النازحين، التي تفتقر للمدارس، بهدف تعليم الأطفال داخل الباص، وخاصةً من لم يتسنّى لهم دخول المدرسة أبدا”.
مبادرة “باص التعليم المتنقل”، وبحسب “عزيزة”، “لاقت ترحيبا كبيرا من الأهالي، وجدّدت الأمل لديهم في تعلّم أبناءهم، خصوصا وأن عمل الكادر التدريسي في الباص لا يقتصر على جلسات الدعم النفسي والترفيه ورواية القصص القصيرة، وإنما يتم تعليم الأطفال مبادئ القراءة والكتابة، إضافة إلى مادتي الرياضيات واللغة الإنجليزية للأطفال الذين دخلوا المدرسة سابقا، ثم انقطعوا عنها بسبب ظروف الحرب”.
مبادرة “قيمة”
كاميرا وكالة الأناضول رافقت “باص التعليم المتنقل” في زيارته لمخيم النازحين في بلدة المسيفرة بريف درعا الشرقي، ومخيم زيزون بريفها الغربي، حيث تجمعت المئات من العائلات النازحة من مناطق الحرب في درعا، وجرى تنفيذ العديد من الأنشطة للأطفال داخل الحافلة التعليمية.
أبو علي الفرج، أحد النازحين السوريين من منطقة اللجاة في درعا إلى مخيم بلدة المسيفرة، أشاد بهذه المبادرة، ووصفها إياها بـ”القيمة”.
“الفرج”، وفي حديث للوكالة نفسها، تابع أن هذه المبادرة “ترفع من المستوى التعليمي لدى نسبة كبيرة من الأطفال، الذي تركوا مدارسهم مُجبرين، بسبب قصف النظام لها، وتشجّع الأطفال، الذين لم يدخلوا المدارس قط، على تعلّم مبادئ القراءة والكتابة، بواسطة وسائل ترفيهية يُقدّمها لهم الكادر المتخصّص داخل الباص”.
محذرا، وصف النازح السوري الواقع التعليمي في مخيمات النازحين جنوبي سوريا بـ”المأساوي؛ لعدم تناسب مشاريع الهيئات والمنظمات المحلية مع حجم مشاكل التعليم في مخيمات النازحين، وأبرزها وجود عدد كبير من الأطفال تجاوزوا من العمر الـ 12 عاما ولا يعرفون مبادئ القراءة والكتابة، إضافة إلى عدم وجود مراكز تعليمية في جميع المخيمات، فضلا عن ضعف كوادر التدريس وعدم تأهل بعضهم لتعليم الأطفال”.
ولإنقاذ أطفال النازحين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، تُعنى هيئات ومنظمات إنسانية محلية بملف التعليم جنوبي سوريا، في غياب شبه تام لأي دور للحكومة السورية المؤقتة (التابعة للمعارضة) في إنشاء المدارس أو تقديم الدعم المالي.
وطن إف إم/ اسطنبول