باتت مدينة حلب ذكرى لآلام وأوجاع آلاف المواطنين السوريين الذين نزحوا منها باتجاه محافظة إدلب التي تعتبر آمنة نوعاً ما، مقارنة مع بقية المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية.
ومع بدء إجلاء المحاصرين من شرقي حلب التي تعرضت لهجمات مكثفة من قِبل قوات النظام والميليشيات الأجنبية الداعمة لها، بادرت تركيا إلى تقديم الخدمات الطبية للجرحى والمرضى، فمنهم من تماثل للشفاء في المستشفيات الميدانية الموجودة في محافظة إدلب، ومنهم من تمّ استقدامه إلى المستشفيات التركية نظراً إلى خطورة إصابته وصعوبة معالجته في المستشفيات الميدانية.
ومن بين الجرحى الذين تمّ استقدامهم إلى المستشفيات التركية، رشا موصللي الكبير التي أصيبت بشظايا قذيفة أُطلقت باتجاه المدنيين في شرقي حلب قبل عدة أيام أثناء انتظار موعد إجلائهم من هذه المنطقة التي باتت بمثابة جهنّم حقيقية لسكانها نتيجة شدّة القصف والهجمات العشوائية.
ونظراً لصعوبة وضعها تمّ استقدام رشا البالغة من العمر 34 عاماً، إلى مستشفى التعليم والأبحاث في ولاية قونية وسط البلاد.
وفي حديث أدلت به للأناضول قالت رشا إنها أتت كسائر سكان شرقي حلب برفقة زوجها وأطفالها الأربعة، إلى نقاط التجمع التي منها ستنطلق حافلات الإجلاء نحو إدلب، وأثناء انتظارهم الحافلات سقطت قذيفة على الجموع المحتشدة هناك، ما أسفر عن إصابتها وإصابة إبنها مصطفى بجروح.
وأضافت رشا أنها اضطرت إلى العودة إلى مكان إقامتها في شرقي حلب نتيجة توقف عملية الإجلاء بسبب استهداف الجموع المحتشدة في النقطة المحددة، وتوجّهت بعد ذلك إلى مستشفى القدس الميداني الذي خرج بدوره عن الخدمة من شدة القصف.
وتابعت في هذا السياق قائلةً: “بدأنا ننتظر في مستشفى القدس الذي غابت عنه حتّى الإسعافات الأولية، وبينما نحن ننتظر وإذا بصوت يقول بأنّ سيارات الإسعاف دخلت المنطقة المحاصرة لإجلاء الجرحى، وعندما وصلت السيارات إلى مستشفى القدس، أخذوني وإبني مصطفى، لكن زوجي وبناتي الثلاث ظلّوا هناك”.
وأردفت: “أودعت بناتي الثلاثة في أمانة الله وزوجي وأقربائي، والأن أتضرّع إلى الله بالدعاء أن يعجّل في لقائي مجدداً بعائلتي وأسرتي وأقربائي، وأدعوا الله أن يفرّج عن كافة المحاصرين في شرقي حلب وباقي المناطق السورية”.
وعن معاناتها طيلة فترة بقائها تحت الحصار قالت رشا والدموع تذرف من عينيها: “عشرة أشخاص كنا نقطن في منزل واحد، والفترة الأخيرة شهدت كثافة في الغارات على مناطقنا، ودُمّر كل شيء حتّى أننا لم نعد نتمكّن من عبور الشوارع من كثرة الحفر التي تشكلت نتيجة القنابل والقذائف التي سقطت”.
وأضافت: “تحولت مناطقنا إلى مدينة أشباح، فكان القصف المكثف لا يهدأ، والكهرباء والماء والمواد الغذائية كانت شبه معدومة، ورغم كل هذا فإننا كنا نحاول البقاء على قيد الحياة”.
وتابعت: “خلال الأشهر الأخيرة كان يأتينا كل يومين 5 أرغفة من الخبز وبعض الشيء من الفاصولياء المجففة، ولم يكن بالإمكان إيجاد الوقود لإشعال المدافئ، بالمحصلة يمكنني أن أقول إننا كنا ننتظر الموت في ظل الجوع والبرد، دون أن نتمكّن من فعل شيء، ولا يسعني هنا إلّا أن أتقدّم ببالغ الشكر والامتنان لتركيا حكومةً وشعباً”.
من جانبه قال مصطفى، ابن رشا، ويبلغ من العمر تسع سنوات، إنه تلقّى إصابة في ذراعه نتيجة انفجار قذيفة بالقرب منه أثناء انتظارهم حافلات الإجلاء مع أبويه وإخوته البنات.
وعبّر مصطفى عن بالغ سعادته لوجوده بجانب أمه في المستشفى، وتمّنى لقاء والده وإخوته خلال فترة قريبة.
بدوره قال عرفان إنان، أخصائي الجراحة التجميلية في مستشفى التعليم والأبحاث بجامعة قونية، إنّ الكوادر الطبية بدأت بمعالجة ذراع مصطفى، مشيراً أنهم سيعملون على إغلاق الجرح بعد الانتهاء من عمليات تطهير الأنسجة والأوعية الدموية بالكامل.
وطن إف إم/ اسطنبول