“نحن شعب مكافح، نعشق الحياة والأمل” هذه الكلمات الكبيرة خرجت من فم المواطنة السورية “فلك الغزي”، بعد نفس عميق يخبئ داخله آلاما وأوجاعا لم تكن تتوقع يوما ما أن تصيبها، لكن القدر أثبت لها أن لا شيء فوق الخيال.
وهذا الدرس جعلها تضيف بكل عزم ورباطة جأش، في حديث لوكالة “الأناضول”، عقب مشاركتها بفعالية فنية بعنوان “معا” في مدينة إسطنبول، “مع ذلك.. أنتظر اليوم الذي أعود فيه مع أسرتي للعيش في بلدي في جو آمن”.
تبدأ قصة فلك، حين كانت طفلة في شوارع دمشق العتيقة، وبدأ بزوغ ولعِها بفن الرسم بأدخنة الشموع، وسعيها لإخراج كافة ما تشعر به على الورق حولها.
تطور هذا الولع مع تقدم عمرها، حتى جاءتها فرصة للعمل في شركة إنتاج سينمائي عام 2004، وراحت تُعد وترسم على مدار 3 سنوات كاملة تصاميم ورسومات لأفلام الكرتون للأطفال.
هذه الخطوة شكلت نقلة نوعية، وفتحت الطريق لمرحلة جدية في مجال فن الرسم في حياتها، بفضل الخبرات التي اكتسبتها وجعلتها تعرف هذا الفن عن قرب، الأمر الذي انعكس بوضوح على مستواها، بحسب قول فلك.
وأضافت، “انتقلت لاحقا إلى كتابة قصص لكتب ومجلات الأطفال، بجانب اشتغالي بتصاميم الرسومات”.
وتابعت، “استمرت علاقتي بفن الرسم في تحسن دائم، إلى أن اندلعت شرارة الثورة في بلادي، وكنت حينها أسكن مع زوجي وطفليي في منطقة الغوطة الشرقية في ريف دمشق”.
وعن الأيام الأولى للثورة قالت: “انتشرت نقاط تفتيش في كل مكان، وصار من الصعب الخروج من البيت والانتقال داخل البلد، وبعدت عن فن الرسم، ولممنا أثاث بيتنا، واستأجرنا بيتا جديدا بالقرب من مركز المدينة”.
تشيح فلك بعينيها وهي تضيف: “فشلت كافة محاولاتنا للبقاء والعيش، مع انتشار مظاهر العنف والقتل والتعذيب وانعدام أجواء الأمن والأخوة، فضلا عن ارتفاع الأسعار وتفشي البطالة”.
وتابعت، “نفذ صبرنا وأُرهقنا كثيرا، وفي النهاية عزمنا على الرحيل وترك وطننا”.
وفي عام 2012، انتقلت فلك مع زوجها وطفليها من سوريا إلى الجزائر التي قالت عنها، “مع الأسف لم نعثر على عمل يجعلنا نبقى في هذا البلد”.
ولم تتوقف أوجاع هذه الأسرة حتى بعد عودتها إلى المشرق العربي وذهابها إلى الأردن، حيث ضيق فرص العمل إلى جانب ارتفاع الأسعار، بحسب فلك.
دارت على فلك وأسرتها أيام طويلة حتى وصلوا بسلامة إلى مدينة إسطنبول، التي سمحت لهم بالابتسام ولو قليلا من جديد.
وعن العيش في إسطنبول، قالت فلك، “تعرفنا على أسرة تركية بعد وصولنا بعدة أيام، قدمت لنا مساعدات لن أنساها طوال حياتي، وفروا لنا بيتا جيدا وفرشوه لنا (..) وبدأت أسرتي تبتسم من جديد”.
ولفتت، أنها اشتغلت بالتدريس في إسطنبول، وراحت تعاود الاتصال بفنها من جديد في أوقات فراغها.
وعن عودتها لفنها، قالت، “كان لإسطنبول تأثير كبير على عودتي للقبض على شموعي ورسم كل ما تفيض به جوارحي من مشاعر”.
وأشارت أنه على الرغم من ثمة اختلافات بين المدينتين التاريخيتين، إلا أنها تربط كثيرا بين إسطنبول و دمشق، وترى بينهما كثيراً من أوجه الشبه.
وعن فنها قالت، “فني فريد من نوعه، أستخدم الأدخنة الصاعدة من الشمع في رسم ما يدور في وجداني على أوراق A4، وعلى حد علمي لا يعمل غيري بفن أدخنة الشموع سوى رسَام كندي في العالم بأسره”.
وبأصرار ناجم عن عزم كبير، تابعت: “أريد أن يصل فني إلى كافة أنحاء العالم يوما ما، وأود المشاركة بهذه الرسومات في كبرى المعارض الفنية الدولية”.
وعند سؤالها عن سبب هذا الإصرار قالت وعيناها تذرف الدمع، “في الأيام الأولى للثورة، جاءني شخص لدى مشاركتي في إحدى الفعاليات، وعند وقوع عينيه على أعمالي، نظر إليَ وقال، عليكِ أن تنشري هذا الفن في كل العالم، ووعدته حينها إنني سأنجح في ذلك”.
وأردفت، “وبعد عدة أيام وصلني خبر استشهاده، وأنا مديَنة له بهذا الوعد”.
{gallery}news/2017/1/18/11{/gallery}
وطن إف إم/ اسطنبول