أخيراً تمكنت “أم عواد” من التقاط أنفاسها بسلام، بعد نجاتها من حمم الموت التي تلقيها الطائرات، وحقول الألغام التي زرعها عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على طول جبهاته بريف حلب الشرقي، وتصل مع عائلتها إلى مناطق سيطرة الجيش الحر علها تحظى بمكان آمن بعد أيام الخوف الرهيبة.
تشرد في العراء
“أم عواد” الفارّة من مدينة “مسكنة” بريف حلب الشرقي، والتي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من سيطرة قوات الأسد والمليشيات الداعمة له عليها، وصلت برفقة أبنائها وعوائلهم إلى مدينة جرابلس التي تسيطر عليها قوات درع الفرات، بعد ثلاثة أيام قضتها في العراء محاولة الحصول على مكان آمن بعيداً عن الحرب التي وصلت إلى مناطقهم على حين غرة.
بلهجتها “الحضرية” تقول أم عواد: (مادرينا إلا الدواعش يقولون أن النظام وصل مسكنة؟!)..
وتضيف: كان التنظيم يخبرنا دائماً بأنه أوقف زحف النظام وشرد به، ونحن بدورنا نصدق نتيجة اعتمادنا على المعلومات التي يقدموها لنا، بعد منعهم للأنترنت والريسفرات “الدش” في مناطقنا، لتصبح الأخبار التي يتداولها التنظيم مصدرنا الوحيد لمعرفة مايدور في عالمنا الخارجي.
وتضيف: خرجنا من مسكنة باتجاه بادية الرقة، حيث استمر مسيرنا لأكثر من أربعة ساعات تحت قصف الطائرات التي تشن غاراتها على امتداد الطريق الواصل بين حلب والطبقة، بعدها اتجهنا نحو مدينة منبج عبر طرق وعرة سيراً على الأقدام استمر أكثر من سبعة ساعات، رافقنا خلالها مهربون قام أحد أولادي بالإستعانة بهم خشية الألغام التي حدذرنا منها السكان وسائقو العربات الكبيرة، لنصل أخيراً إلى مدينة جرابلس بعد ثلاثة أيام من التشرد في البرية.
مئة ألف نازح
(مسكنة، دير حافر، الخفسة والمهدوم) مدن وبلدات خاوية على عروشها اليوم بعد تقدم النظام الأخير وسيطرته على منطقتي الخفسة ومطار الجراح العسكري “كشيش” واقترابه من مدينة مسكنة التي كانت تحتضن أكثر من مئة ألف مدني قبل أن فرار قاطنيها خشية سيطرة قوات النظام والمليشيات الموالية له عليها.
خلال الأسبوع الماضي فقط، وصل عدد النازحين الفارين من ريف حلب الشرقي الذي تحاول قوات النظام السيطرة عليه بدعم جوي روسي وايراني إلى مايقارب المئة وخمسين ألف نازح، كما يؤكد مراسل (وطن إف إم)”مهاب ناصر”.
ويضيف: مدينة الطبقة بريف الرقة الغربي ومدينة “تل أبيض إضافة إلى بلدة “عين عيسى” بريف الرقة الشمالي، ومحافظة دير الزور، بالإضافة إلى بادية حماة، كانت وجهة النازحين الفارين من ريف حلب الشرقي، الذين يحاولون الوصول إلى الحدود السورية التركية الخاضعة لسيطرة فصائل “درع الفرات”، إلا أن منع التنظيم خروج المدنيين من مناطقه يحول دون انتقالهم إلى مناطق آمنة نسبياً عما هو الحال في مناطق سيطرة التنظيم.
محاولات الوصول إلى الأمان
مع اشتداد وتيرة القصف ووصول المعارك بين قوات النظام وتنظيم الدولة “داعش” إلى آخر معاقله في حلب “مدينة مسكنة” يمنع تنظيم الدولة خروج المدنيين من مناطق سيطرته، التي تشهد قصفاً جوياً مكثفاً، بالإضافة إلى انعدام وجود أدنى مقومات الحياة التي يحتاجها المدنييون.
بعد فصل قوات النظام مناطق سيطرة تنظيم الدولة عن فصائل الثوار، يتخوف معظم المدنيين من التوجه إلى مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” المتصلة بمناطق سيطرة الثوار، وهو مايحول دون انتقال المدنيين إلى الحدود السورية التركية، كما يوضح الناشط “أحمد محمد”.
ويضيف: حتى التنقل بين حقول الألغام والقنص في سبيل الوصول إلى مدينة منبج ليس خياراً مفضلاً لكثير من النازحين الذين يحاولون الخروج من مناطق سيطرة التنظيم، خاصة بعد اعلان قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على منبج ارتباطها وتعاونها مع النظام.
ويتابع: مايزيد من معاناة النازحين حتماً هو انعدام معظم المواد الغذائية في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم، نتيجة الحصار المفروض عليها من قبل القوى المناوئة لها، ناهيك عن سوء الأوضاع الطبية وعدم توفر حتى أبسط أنواع الأدوية “المضادات الحيوية والمسكنات” بالإضافة إلى انعدام المشافي المختصة بعلاج الأمراض المزمنة.
أكثر من مئة وخمسين ألف نازح من ريف حلب الشرقي، كتب عليهم الموت أو التشرد في العراء، هرباً من تقدم قوات النظام التي تدعي مكافحة “الارهاب”، لكن السؤال الكبير هنا هو كيف لإرهاب قتل وشرد مئات الآلاف أن يتحول إلى محارب للارهاب كما يقول النازحون.
منصور حسين/ وطن إف إم/ حلب