في عينيها وطن لا تعرفه إلا عبر نشرات الأخبار وأحاديث الكبار، وملامح وجهها تحمل طفولة هاربة تبحث عن ذاك الوطن. في شَعرها كتب الهواء الناشف قسوة اللجوء، وعلى شفتيها بدت إبتسامة تتحدى الحروب، فيما برز اللون الأحمر على أصابع يديها الصغيرة ينم عن برودةٍ، وعلى أصابع قدميها علِق وحل المخيم.
أما هو فلم يمنعه التشرّد من أن يمارس طفولته بطريقةٍ أخرى. ومع غياب الألعاب، اتخذ من حصى المخيم كُرات صلبة راح يلاعبها بين يديه بطريقةٍ احترافية لم تختلف كثيراً عن طُرق زملائه الذي راح أحدهم يتسلّق التلة الرملية ويلقي بنفسه من أعلاها وكأنها “زحليطة الملاهي” وذهب آخر يصنع بيتاً ترابياً “يشبه بيته في سوريا” على حدّ قوله.
إلى سهل البقاع شرق لبنان الذي يضم أكبر عدد من اللاجئين السوريين في لبنان، حيث يفوق عددهم عدد السكان اللبنانيين في بعض القرى، توجّهت ,وكالة “الأناضول”، باحثةً في “عيد الطفل العالمي” عن أمنيات أطفالٍ لا تشبه لا من قريب ولا من بعيد أمنيات من هم في أعمارهم.
ورغم أن الأمنية الطبيعية لطفلٍ في العاشرة، هي دمية من نوعٍ معين أو جهاز ألعابٍ إلكترونية أو ما شابه من أدوات اللهو التي تتوافق مع سقف تفكيره، إلا أن ما سمعناه لدى زيارتنا لعدد من مخيمات اللجوء تجاوز حدود التفكير الطبيعي لدى الأطفال، ليصب في خانة الرجوع إلى وطنٍ بالكاد يتذكرون ملامحه.
وكأنّ أحلامهم هرِمت وهم في عمر الطفولة، فتوحدت آمالهم، ولسان حالهم: “بتمنى إرجع عَ سوريا”، ولكن كان لكلٍ منهم أسبابه الموجبة ومعاييره المختلفة.
يُجيب يوسف ابن السنوات التسعة عن سؤال الوكالة (لماذا أنت هنا؟) كرجلٍ أكل الدهر وشرب على أحلامه، قائلاً “أنا في المخيم لأن في بلدي حرب بشعة، الناس يموتون، البيوت تتهدّم والقصف مستمر”.
وأمنيته الوحيدة هي انتهاء الحرب والعودة إلى بلدته “حمص – القصير”، أمّا لماذا؟ فلأنه يظن بأن أصدقاءه الذين كان يلعب معهم يوماً ما قبل 6 سنوات ونيّف لا زالوا “هناك” في انتظاره.
ولا تختلف أحلام ضحى (11 سنة) كثيراً عن أحلام يوسف – وإن كانت الأسباب الموجبة لديها تتمايز عن أسباب يوسف – فتتمنى أن تعود إلى سوريا، أولا “لأنها بلدي” وثانياً “لأن في سوريا كهرباء ومياه، وهنا (في المخيم) لا كهرباء ولا مياه وإن وُجدت فتكون مياه ملوثة”.
أما نور (10 سنة) فلها في الرقة أقارب “أخت كبرى، وخالات وعمّات” وجُلّ ما تتمناه أن يحميهم الله من شرور الحرب وتعاود العيش معهم في قريتها التي تحب.
وعن أخبار سوريا التي تشير إليها نور بلهجتها الأم “غَادْ” (“هناك” كناية عن البعد) تقول: “(غَادْ) في حرب ودمار، وعندما أشاهد الأخبار تأتي والدتي وتنقل المحطة وتضع أفلام كرتون”، لماذا؟ “لأنها لا تريدني أن أرى بلدي وهو يتدمرّ”.
وفي لبنان، الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين عالمياً مقارنة بعدد سكان البلد، إذ يبلغ نسبتهم واحد إلى أربعة، تتضافر الجهود بين الوزارات والجمعيات المعنية بحقوق الطفل، لتهيئة بيئة أفضل لما يقارب “نصف مليون” طفل سوري لاجئ في لبنان، حسب إحصاءات منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”.
“في لبنان حوالي نصف مليون طفل سوري، أغلبهم في مناطق البقاع وشمال لبنان، ومنهم حوالي 300 ألف طفل في عمر المدارس”، كما يؤكد المتحدث باسم “يونيسيف” في لبنان سلام الجنابي، للأناضول.
ومن هؤلاء الـ 300 ألف طفل، استطاعت يونيسيف العام الماضي بالتعاون مع وزارة التربية في لبنان، إدخال 200 ألف إلى شكل من أشكال التعليم (بين مدرسة رسمية، وبرامج تعليم غير رسمية، وتعليم مهني)، ولكن لا يزال هناك 100 ألف طفل خارج المدرسة، وهم “مصدر قلق” على حدّ تعبير جنابي، كونهم معرضين لعمالة الأطفال، وللتشرّد ولشتى أشكال الاستغلال.
وعن كيفية تصدي “يونيسيف” لذلك الواقع الإنساني في ظل استمرار الصراع في سوريا للسنة السابعة على التوالي، وطبيعة البرامج التي تعمل أو ستعمل عليها لاحقاً، قال جنابي، “تُعتبر أكبر وأشمل برامج يونيسيف فيما يتعلق بالأطفال السوريين، هي ما لها علاقة بالتعليم”.
وأضاف “تقريباً، نصف ما تعمل عليه (المنظمة الأممية) وتدعو إليه هذا العام، هو دعم برامج التعليم، كما أن هناك تركيز على برامج حماية الطفل التي تتضمن الفعاليات الاجتماعية النفسية التي توفر بيئة حامية للطفل، إضافةً إلى البرامج المتخصصة للتعامل مع الأطفال الذين كانوا منخرطين مع النزاع أو لديهم مشاكل نفسية أو اجتماعية عميقة”.
وتابع “ثم أن هناك برنامج الرعاية الصحية بالتعاون مع وزارتي التربية والصحة العامة، وهو برنامج يشمل جميع الأطفال في لبنان وليس فقط اللاجئين، من عمر صفر إلى خمس سنوات، لتوفير اللقاحات مجانا لهم”.
وتضاعف “يونيسيف” خلال السنوات الأربعة المقبلة تركيزها على توفير الخدمات للأطفال بشكل عام، بغض النظر عن اللجوء، لأن طول الأزمة السورية ودخولها عامها السابع، أثّر على الوضع الإقتصادي والاجتماعي للبلد المضيف (لبنان) وبالتالي بعض الأسر اللبنانية وصلت وتصل إلى نقطة من الإحتياجات الشديدة التي تشابه احتياجات الطفل اللاجئ.
وعن أبرز التحديات المتمثلة بعدد اللاجئين السوريين وانتشارهم في لبنان، يقول الجنابي “نعلم بحوالي 3500 تجمع موجود فيها لاجئين سوريين، ما يجعل الوصول لكل هذه التجمعات أمراً صعب جداً”، بحسب المسؤول.
من جهتها، تحاول وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية، بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويونيسيف، والمنظمات الدولية، تلبية احتياجات اللاجئين، والأطفال على وجه الخصوص.
وبهذا الخصوص، أوضحت عبير جراح، العاملة الاجتماعية في برنامج “الاستجابة للحالة السورية” لدى الوزارة اللبنانية، أن الأخيرة تحاول قدر المستطاع وحسب إمكاناتها، عبر برنامجها الذي يتضمن جولات دورية على المخيمات، لتأمين حاجات اللاجئين والوقوف عند شكواهم وإيصالها للجمعيات المعنية.
وفي عام 2016، بلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان مليون لاجئ، حسب تقرير حدّثته منظمة العفو الدولية (أمنستي) نهاية ديسمبر/كانون أول الماضي، ووفق وزير الدولة اللبناني لشؤون النازحين، معين المرعبي، في مقابلة مع الأناضول في فبراير/شباط الماضي، فإن عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان أقل من مليون لاجئ.
ويعيش هؤلاء اللاجؤون في دولة يقدّر عدد سكانها بحوالي 4.5 مليون نسمة، بحسب تقديرات غير رسمية.
{gallery}news/2017/3/22/11{/gallery}
وكالات/ وطن إف إم