قصة معاناة جديدة لن تكون الأخيرة للسوريين، تعرض لها الطبيب، محمود السايح، الذي لم يظنّ يوماً أنّه سيفقد جميع أفراد عائلته الـ14، بينهم أبناؤه السبعة وزوجته في لحظة واحدة، بعد أن فر من مدينة الباب، مسقط رأسه، في أعقاب سيطرة تنظيم “داعش” عليها قبل أكثر من عامين (قبل أن يستعيدها الجيش السوري الحر والقوات المسلحة التركية الشهر الماضي)، لينتقل إلى العيش في إدلب مروراً بحلب.
حكاية “السايح” واحدة من القصص المأساوية التي خلّفها القصف الجوي لطيران الأسد وحلفائه، على “حي القصور” بمدينة إدلب صباح يوم 15 آذار الحالي، وأسفر حينها عن مقتل 22 شخصاً (منهم عائلة الطبيب)، معظمهم أطفال وإصابة العشرات.
وتحكي قصة “السايح” عن مسيرة طبيب سخّر كل إمكانياته لمعالجة المرضى والمصابين في مناطق سيطرة المعارضة ومداواة جراحهم، ليلقى جميع أفراد عائلته مصرعهم في النهاية ويبقى هو وحيدا.
إلا أن ذلك لم يهز من إيمان “السايح”، الذي لم يمنعه التعب والحزن والشحوب الظاهر على وجهه، من اللجوء لمعانقة القرآن الكريم، يواسي بكلمات الله نفسه، ويحافظ عبرها على رباطة جأشه.
“السايح” يحاول كبت دموعه عندما يتذكر أطفاله السبعة، الذين قُتلوا جرّاء قصف مسكنهم المؤلف من خمسة طوابق، والذي تحول إلى ركام، لكنّه يفشل في النهاية، فتفيض عيناه دمعا.
وبصوت يغلبه الدموع، حكى الطبيب السوري وقائع هذه الليلة الحزينة لوكالة “الأناضول”، قائلا إنه “في تلك الليلة كانت أصوات الطائرات مرعبة جداً على غير المعتاد، وكنا قد خلدنا إلى النوم بعد منتصف الليل، وفي الصباح سمعنا صوت طائرة خرقت جدار الصوت، وبعدها انهار البناء، لم أٍسمع إلا صراخ أطفالي وزوجتي، وهو آخر ما سمعته منهم”.
وأضاف: “كنت الناجي الوحيد من بين كل المقيمين في المبنى، ولكنّني أُصبت بجراح كثيرة، ونقلتني فرق الإسعاف إلى مستشفى ميداني لتضميد جروحي، وإيقاف النزيف”.
واستعرض الطبيب صورا على هاتفه النقال لأطفاله السبعة، الذي كان أكبرهم 12 عاماً، وذكرهم اسماً اسما بيبرس وريناس وأسيل ورند ووئام وحمزة ولين، متسائلاً: “هل هؤلاء إرهابيون”.
ولم تقتصر خسارة “السايح” أطفاله فحسب، بل أيضا فقد اثنين من أخوته وعائلتهم، من بينهم رضيعة لا يتجاوز عمرها 20 يوماً، لم يكن أبواها متفقان بعد على اسم لها.
واتهم الطبيب، جميع المنظمات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي بـ”النفاق والصمت عما يحدث في سوريا”، مستغرباً من وجود محاكم دولية “لا يمكن من خلالها محاسبة الجناة”، في إشارة إلى نظام بشار الأسد وحلفائه.
“السايح” ترك مدينة الباب بعد سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي عليها، قبل أكثر من سنتين، متوجهاً نحو مدينة “عندان” بريف حلب حيث عمل هناك طبيباً في مشفى ميداني.
وجراء كثافة قصف النظام لحلب وتقدم قواته صوبها، اضطر الطبيب السوري لتركها لاحقاً ويستقرّ في مدينة إدلب، حيث يتابع عمله في اختصاصه بجراحة العظام في إحدى مشافيها.
وتعرّضت مدينة إدلب وريفها مؤخراً لقصف جوي متواصل، خلّف عشرات القتلى والجرحى، إلى جانب دمار في الأبنية والبنية التحتية، على الرغم من سريان اتفاق وقف إطلاق النار.
وطن إف إم/ اسطنبول