لم تنس ريهام ذات العشرة أعوام صورة أبيها التي ترافقها منذ ثلاث سنوات عندما حولت طائرات الأسد الحربية جسده إلى أشلاء مبعثرة أمام ناظريها، عندما كانت تلهو معه في فناء منزلها.
فقد أغارت هذه الطائرات على حيها السكني في مدينة معرة النعمان “الإدلبية”، مستهدفة بشكل عشوائي المنازل فيه، حيث قتلت العشرات من المدنيين وجرحت آخرين، كانت “ريهام” من بين الجرحى وكان والدها من بين القتلى.
تقول ريهام بلهجتها المحلية”نعم (شفتو شقف) رأيت أشلاءه، (دبيت لعندو وانا عم انزف) زحفت نحوه وأنا أنزف، (غميت قبل ماوصلو) فقدت وعيي قبل أن أصل إليه”.
“كان ذلك قبل ثلاثة سنوات وكانت ريهام تبلغ من العمر حينئذ سبعة أعوام” تقول والدة هيام لـ (وطن إف إم): “ومنذ ذلك الحين تهرع الى داخل المنزل وتصرخ بصوت عالي “يابابا ارجع” وهي تبكي بحرقة، كلما سمعت هدير الطائرات تحلق في أجواء مدينتها”.
مذ رأت “ريهام” ذاك المشهد تهدورت حالتها النفسية والعقلية، علاوة على اضرابات في نومها وطعامها كما فقدت جزئياً قدرتها على الكلام.
هيئة إنقاذ الطفولة الخيرية الدولية أوردت في تقرير لها الشهر الماضي ووصفته بأنه “أكبر مسح للصحة العقلية داخل سوريا أثناء الحرب” إلى أن الأطفال هناك يعانون على نحو متزايد من الخوف أو الغضب.
وتراوحت الآثار بين اضطرابات النوم والانطواء إلى إيذاء الذات والشروع في الانتحار. وبعضهم فقد القدرة على التكلم.
واعتمد البحث الذي أجرته الهيئة على مقابلات في سبع محافظات، وشمل أكثر من 450 من الأطفال والآباء والمدرسين والأخصائيين النفسيين معظمهم بالمناطق المحررة في محافظات إدلب وحلب والحسكة.
وذكرت “هيئة إنقاذ الطفولة” إن بعض الأطفال “رأوا أصدقاءهم وعائلاتهم يموتون أمام أعينهم أو يدفنون تحت أنقاض بيوتهم”.
وحذّرت من أنه إذا لم تتم معالجة هذه الحالات، فإن الصدمات اليومية قد تؤدي إلى عواقب أخرى وتؤثر على تطور المخ في سنوات التكوين ومن المرجح أن تزيد من المشكلات الصحية في مرحلة البلوغ ومنها الاكتئاب وأمراض القلب.
“ريهام” من بين الأطفال الذين حالفهم الحظ واخضعوا لجلسات الدعم النفسي، لتتحسن حالتها النفسية والعقلية بنسبة ستين بالمئة حسب تقديرات مركز التأهيل النفسي في مدينتها.
لكن معظم الأطفال، الذين شملتهم الدراسة السابقة يفتقرون إلى الدعم النفسي، فيما “يكافح الآباء أنفسهم للتكيف”.
بيد أن ستة أعوام من العنف وإراقة الدماء أدت إلى أزمة في الصحة العقلية بين أطفال سوريا سيستمر تأثيرها لعشرات السنين.. وهؤلاء هم الجيل القادم الذي سيتعين عليه إعادة بناء بلده المدمر، كما أن هؤلاء الأطفال في أمس الحاجة للقضاء على السبب الرئيسي للضغوط القوية التي يعانون منها، ألا وهو العنف الذي لا يزال ينهمر على القرى والمدن السورية دون رادع”.
{gallery}news/2017/4/13/11{/gallery}
وطن إف إم/ اسطنبول