نشرت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية تقريرا، سلطت فيه الضوء على تأثير اللاجئين على ألمانيا، خاصة وأن هؤلاء اللاجئين يواجهون العديد من المشاكل في سبيل الاندماج مع المجتمع، وتسوية أوضاعهم القانونية.
حيث نقلت الصحيفة، عن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قولها، إنهم يستطيعون تحقيق جملة من النجاحات، في إشارة إلى اعتزامها استقبال عدد كبير من اللاجئين، وإنجاح عملية إدماجهم في قلب المجتمع الألماني.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الموقف جاء في سياق مواجهة ألمانيا لموجة هائلة من الوافدين على أراضيها، فيما عرفت “بأزمة اللاجئين”، حيث تصاعد أعداد الأشخاص الذين كانوا على استعداد لفعل أي شيء للوصول للقارة الأوروبية؛ هربا من الحروب الأهلية والإرهاب والفقر.
وذكرت أن ألمانيا تلقت في سنة 2015 حوالي نصف مليون طلب لجوء، أغلبها من سوريا وأفغانستان، وفي سنة 2016، دخلت المستشارة أنجيلا ميركل في مفاوضات مع الحكومة التركية؛ من أجل إبرام اتفاق ينص على أن كل اللاجئين الذين قدموا عبر تركيا ستتم إعادتهم إليها.
ويشار أن حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، الذي تتزعمه ميركل، وفي حال واصل قيادته للبلاد، سيقوم بعقد اتفاقيات مماثلة مع دول أخرى، غير أن حزب الخضر وحزب اليسار الألماني وضع حد للاتفاق مع أنقرة، لأنهم يعدّونه مخالفا لحقوق الإنسان.
وحسب الصحيفة، فإن تزايد أعداد اللاجئين رافقه ارتفاع في معدلات الجريمة، ففي سنة 2016، أعلنت الشرطة الألمانية عن تورط أكثر من مليوني شخص في جرائم أو ممارسات مخالفة للقانون، في حين أن حوالي ربع هؤلاء المتهمين من طالبي اللجوء، أو لاجئون فارون من الحرب، أو أشخاص يعيشون في ألمانيا بشكل غير نظامي، وفي حال استثناء الانتهاكات القانونية المتعلقة بالدخول بشكل غير شرعي للبلاد، فقد تورط حوالي 174.438 لاجئا في مخالفات قانونية..
وشددت الصحيفة على أن هذه الإحصائيات الأمنية تتعلق بمن تم الاشتباه بهم، أو ذكرت أسماؤهم في إطار تحقيقات وقضايا، ولم تتم بالضرورة إدانتهم أو يثبت تورطهم، إلى جانب أن دراسات عدة أجريت في ألمانيا، كشفت أن اللاجئين غالبا ما يتم الاشتباه بهم، دون مبرر حقيقي، أو يتم اتهامهم ظلما بارتكاب بعض الجرائم، وبالتالي، قد تكون هذه الأرقام مبالغ فيها..
وبينت الصحيفة أن اللاجئين من صنف الشباب غالبا ما يكونون أكثر عنفا من النساء وكبار السن، ولا يقتصر هذا الأمر فقط على اللاجئين، بل حتى على الألمان أنفسهم، فيما يخشى المعارضون لسياسة قبول اللاجئين من أن هؤلاء اللاجئين قد يحضرون معهم أفكارا “شوفينية ونظرة متعالية تجاه الآخر”، ما قد يدفعهم إلى السماح لأنفسهم بالاعتداء على الآخرين أو اغتصاب النساء.
وفي هذا السياق، قام بعض اللاجئين في ألمانيا بتنفيذ أربع هجمات إرهابية في سنتي 2016 و2017، وقد استهدفت هذه العمليات السكة الحديدية في فورتسبورغ، ومهرجان انسباخ، وسوق عيد الميلاد في برلين، ومركزا للتسوق في هامبورج.
وفي المقابل، نفذ مجموعة من الأشخاص، ولدوا وترعرعوا في ألمانيا، عمليات إرهابية، حيث قام شاب يبلغ من العمر 16 سنة متعاطف مع تنظيم الدولة، بالهجوم على رجال شرطة بسكين وتبين فيما بعد أنه ولد في ألمانيا..
لكن تلفت الصحيفة إلى أن أغلب اللاجئين الذين قدموا من بلدان إسلامية لا يحملون أفكارا متطرفة، بل على العكس، فقد فروا إلى أوروبا خوفا من التطرف الديني، وبعد استقرارهم في ألمانيا، أصبحوا ضحايا لجملة من الاعتداءات، في حين نادرا ما كانوا يبادرون باستخدام العنف.
وتبين أن اللاجئين الذين قدموا إلى ألمانيا سعوا في العديد من الحالات إلى العمل بجد، كما اتجهوا نحو تعلم اللغة الألمانية، على جانب أنهم بادروا بإرسال أبنائهم للمدارس للاندماج، غير أنه تم ترحيل هؤلاء اللاجئين، بغض النظر عن الجهود المبذولة من قبلهم، في حين لا يزال العديد من المجرمين والمتطرفين في الأراضي الألمانية..
وأوضحت الصحيفة أن سياسة قبول اللاجئين تكلف الخزينة الألمانية حوالي 20 مليار يورو سنويا، فيما يتم إنفاق ثلث هذا المبلغ من قبل الحكومة الفيدرالية في دول المصدر، من أجل محاربة الظروف التي تدفع هؤلاء للهجرة، ما أثار جدلا كبيرا في المجتمع الألماني.
حيث طالب “البديل من أجل ألمانيا”، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة والمعادية للأجانب، بقبول أصحاب المهارات والمستويات الأكاديمية فقط، ومنع عملية لم شمل العائلات، بالإضافة إلى مناداته بحرمان اللاجئين من الخدمات الاجتماعية والصحية، ووقف تقديم المساعدة المالية لهم.
كذلك، نوهت الصحيفة إلى أن هناك مخاوف أخرى أيضا تتعلق بالصراعات الثقافية، في ظل تكون ثقافة موازية يعدّها الألمان دخيلة عليهم وتهديدا لهويتهم الوطنية، ما أدى إلى ظهور العديد من الحركات المتطرفة والأصوات المطالبة بالتصدي للإسلام.
غير أن الصحيفة قالت أن الأرقام تفند هذه الادعاءات بشأن التهديد الذي تمثله الثقافة الإسلامية، مقدرة عدد المسلمين في سنة 2015 بحوالي 4.4 مليون مسلم من جملة 82.7 مليون ألماني، أي بنسبة أقل من 6 بالمئة، ومن هذا المنطلق، وحتى لو اتحد المسلمون وراء حزب إسلامي واحد، على سبيل المثال، لا يمكنهم السيطرة على البرلمان الألماني وتغيير القوانين.
وفي ختام تقريرها، اعتبرت الصحيفة أن ذهاب بعض الأجانب أحيانا باتجاه تكوين مجتمعات موازية ومنغلقة على ذاتها ليس إلا ردة فعل على عمليات الإقصاء والعنصرية التي يتعرضون لها، في حين لا ينطبق هذا الأمر أصلا على المسلمين، حيث يتواصل 78 بالمئة منهم بشكل دائما مع غير المسلمين في حياتهم اليومية.
وطن اف ام