” الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ” آيةٌ قرآنية يرددها سوري في مطلع الستين يعيش في تركيا، ويقول إنها حال ملايين السوريين الذين هجّروا أو نزحوا أو لجؤوا أو هربوا من الموت إلى أنحاء العالم باحثين عن حقهم في الحياة، أو حقهم في البقاء.
يتابع أبو أحمد حديثه لوطن اف ام ” كان لدي حقل كبير في ريف ادلب شمال سوريا، كله شجر زيتون، اعتني به، كل زيتونة لها قصة، إلى أن قصفت قوات (نظام الأسد) داري، فاضطررت لترك كل شيء لاجئاً إلى تركيا، حفاظاً على حياة أبنائي وبناتي، واليوم بعد خمس سنوات من المكوث هنا، أبنائي الثلاثة مرشحين لنيل الجنسية التركية، أنا لا أتحدث التركية، لكن أبنائي يعرفونها تماماً ويدرسون في الجامعات التركية ومتفوقين على أقرانهم الأتراك، ولذلك تم ترشيحهم”.
ويضيف أبو أحمد والأسى يملئ عينيه، “لن أتخلى عن محبتي لوطني ولأرضي الحبيبة سوريا، وسأعود بأول فرصة، حتى أبنائي سيتعلمون هنا ويحصلون على الجنسية التركية ولكنهم سيعودون يوماً ما لبناء بلدهم الأول سوريا.
بضعة آلاف من السوريين حصلوا على الجنسية التركية الاستثنائية، ضمن خطة الحكومة التركية، لتجنيس عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف منهم، فيما ينتظر الكثير ليصبحوا مواطنين أتراك يستطيعون أن يتغلبوا على صعوبة العيش دون أوراق ثبوتية أو بأوراق انتهت صلاحيتها وتجديدها يتطلب مشقة وتكاليف غير معقولة.
كيف يتم الاستدعاء والمقابلة؟
الكثير من الأشخاص تم استدعائهم لمراكز الولايات التركية بهدف تجنيسهم، دون معايير واضحة لطرق اختيارهم، فمنهم من ترشح عبر إذن العمل ومنهم لأنه طالب بإحدى الجامعات التركية، أو لأنه ضمن برنامج التربية التركية في المدارس السورية المؤقتة، أو من حملة الشهادات العليا.
وطن اف ام التقت “خالد هلال”، وهو شاب سوري يدرس بكالوريوس اقتصاد في جامعة إسطنبول، أكبر وأقدم جامعة تركية، وقد اختير للتقدم لنيل الجنسية التركية الاستثنائية، ويذكر هلال، تم الاتصال بي من قبل دائرة الهجرة التركية، وطُلب مني الحضور بموعد محدد، وفعلاً ذهبت وسُألت إن كنت أعزباً أم متزوجاً وطلب مني عدة أوراق للموعد المقبل.
يكمل هلال، حضرت أوراقي والتي تشمل ” صورة عن جواز السفر مترجم ومصدق من كاتب العدل (النوتر التركي)، وثيقة الطالب، صورة الإقامة التركية، لا حكم عليه، تثبيت سكن، وأربع صور شخصية “، ولا يتطلب منك أن تجيد التركية فهو ليس شرطا فيما يوجد مترجم للتركية إن احتاج الأمر.
وعن المقابلة يقول هلال، انتظرت قرابة الساعة ثم جاء دوري ومعي مصنف فيه أوراقي، حيث يقابلك موظف ويستلم منك الأوراق، ويسألك عن اسمك، ودراستك وعملك واللغات التي تتقنها، هل ستعود إلى سوريا إن ذهب الأسد؟، أنت تركماني أم عربي؟، هل ستذهب إلى أمريكا أو أوربا بعد أن تصبح تركياً؟، كم عدد إخوتك؟ أين يقيمون؟ والسؤال الأهم ماذا ستقدم لتركيا موطنك الجديد؟) وربما هناك أسئلة أخرى مختلفة حسب الموظف، ثم يعطيك ورقة لتدفع مبلغ قدره 10 ليرات في بنك (مصرف) الزراعة التركي لتعود إلى الموظف وتسلمه وصل الدفع، فيما بعد تتابع ملفك عبر موقع مخصص لذلك.
نقاش مستمر على مواقع التواصل الاجتماعي
من جانب آخر تابعت وطن اف ام إحدى مجموعات الفيسبوك، والتي تحمل اسم (الجنسية التركية وأخبارها) ويبلغ عدد أعضائها أكثر من 66 ألف شخص، يتناقشون بشكل يومي حول الجنسية التركية وآخر التحديثات حول الملف، حيث تجد ضمن منشوراتها كل الخطوات التي على المرشح للجنسية اتباعها إلى أن يصل للمرحلة الأخيرة.
مدة ومراحل الحصول عليها؟
وبحسب المجموعة الأخيرة تحتاج الجنسية الاستثنائية لسبع مراحل متتالية منذ تسليم الملف عبر الموقع التالي (https://goo.gl/L61T1T ) حيث تظهر نتيجة بعد إدخالك مكان الولاية ورقم الإقامة وسنة التقدم والمواليد:
1- النتيجة الأولى: الأوراق في مرحلة التدقيق قبل إرسالها إلى المديرية العامة في أنقرة.
2- النتيجة الثانية: الأوراق أرسلت إلى المديرية لكنها لم تصل بعد.
3- النتيجة الثالثة: الأوراق وصلت وهي على وشك اكتساب القرار.
4- النتيجة الرابعة: الملف مقبول وهو في مرحلة البحث والتدقيق.
5- النتيجة الخامسة: عمليات البحث والتدقيق قد استكملت وتم إدراج طلبكم في القائمة بانتظار التوقيف من صاحب القرار.
6- النتيجة السادسة: انتقل الملف لاتخاذ القرار النهائي.
7- النتيجة السابعة: لقد أصبحت مواطناً تركياً بكامل حقوقك وواجباتك وسيتم إبلاغك للمراجعة لاستلام قرار التجنيس والبصمة على الهوية.
وعن المدة الزمنية فهي تختلف من شخص إلى آخر، ومن ولاية إلى أخرى، ولكن لا تقل عن سبعة أشهر من بعد المقابلة الأولى وقد تمتد لأكثر من سنة، إذ يجمع الناشطون على ذات المجموعة أن المرحلة الرابعة هي الأطول إذ قد تتجاوز السنة لوحدها.
تركي سوري
مصطلح بات ينتشر في تركيا اليوم، إذ أن أعداد السوريين الذين ينالون الجنسية الجديدة يزداد عددهم، ففي إحدى مقاهي مدينة إسطنبول، التقت ” وطن اف ام ” بأحد السوريين الذين نالوا قبل أشهر قليلة الجنسية التركية، هشام مروان شاب سوري أعزب من الغوطة الشرقية بريف دمشق جاء إلى إسطنبول وقد عمل مدرساً في برنامج التربية التركية للمدارس السورية المؤقتة، وترشح اسمه مع الكثير من المدرسين الآخرين في الربع الأخير من عام 2016، لينال الجنسية في الشهر السادس من عام 2017 ويصبح مواطناً تركياً.
يخبرنا مروان، أنه لا يواجه أي مشاكل عنصرية من قبل المواطنين الأتراك على العكس تماماً، وهو يحب هذا الشعب ومخلص لبلده الجديد تركيا ومشتاق لسوريا ولمدينته دوما تحديداً، وما زال يساهم عبر مجاله ” التصميم الالكتروني ” في دعم الثورة السورية وحق الشعب في تقرير مصيره.
المعارضة التركية تعارض
تتباين المواقف من موضوع الجنسية التركية، إذ تؤكد المعارضة التركية على رفضها التام، حيث طالب حزبا ” الشعب الجمهوري” و”الشعوب الديمقراطي” بإطلاق استفتاء شعبي حول القبول بمنح الجنسية للسوريين أو لا.
ووجه كمال قيليتشدار أوغلو، زعيم المعارضة التركية، خطابًا للرئيس التركي أردوغان، قال فيه “إن كنت مصرًا ولا بد، وكنت تقول (نحن مع الإرادة الشعبية). هلم بنا يا أخي لنجري استفتاءً شعبيًا، ونسأل الشعب”.
الطلب الذي كرره زعيم حزب “الشعوب” الكردي، صلاح الدين دمير طاش، والذي طالب بالاستفتاء على الموضوع قائلًا “لا يمكن لرئيس الجمهورية اتخاذ القرار بهذا الخصوص، إن كنت تثق بنفسك كثيرًا، فلنستفتِ”.
موقف الشعب التركي
ينقسم الشارع التركي بين مؤيد ومعارض، فهناك شطرٌ من المواطنين الأتراك يؤيدون خطوة الحزب الحاكم في البلاد، فقد قال سردار أحمد لوطن اف ام، وهو مواطن تركي يقطن في مدينة إسطنبول، أنه يرحب بوجود السوريين في تركيا اليوم وغداً، “لقد قاتل أجدادنا كتفاً إلى كتف في الدفاع عن مدينة (تشناك قلعة) خلال الحرب العالمية الأولى وراح منهم آلاف الشهداء، وأنا سعيد حقاً لنيلهم الجنسية التركية، سيكونوا الآن مواطنين مثلنا مثلهم، لهم حقوق كاملة”.
وشطرٌ آخر يرفض لأسباب اقتصادية أو حجج مبررة أو غير مبررة ، لدرجة نشر أقاويل وإشاعات غير موجودة، مثل دخول السوريين للجامعات دون فحص قبول، أكثرهم يتسول بالشوارع، يأخذون رواتب شهرية من الحكومة، وهي ما ينفيها السوريون تماماً.
بين المنفى والوطن
يعيش السوريون اليوم بين قرب وطنهم سوريا، كما عاش الفلسطينيون تماماً، فقد هجروا من ديارهم إلى منفى إجباري أو إلى خيمة مساحتها وسادة وغطاء، ولكن أمل العودة بقي في أذهانهم ومفتاح الدار في أعناق الأمهات.
يشاطرهم السوريون اليوم ذات الهم وإن بتوزع أكبر حول العالم، والخيار صعب جداً بين وطن يعيشون فيه بحرية وكرامة ولكنه غريب بلغته وثقافته أو وطن فيه كل الذكريات يشبههم لكن ستُأخذُ فيه أرواحهم إن بقوا فيه، لذلك فالسوري بين أمل عودة إلى بيته حيث وُلد وضبابية مستقبل إن لم يحصل على جنسية تبعد عنه نظرات العنصرية.
عبد الناصر القادري / وطن اف ام