مع تدفق العائلات النازحة من جنوب حلب وشرق ادلب، اضافة إلى استمرار وصول العائلات الوافدة من “دير الزور والرقة”، واكتظاظ المخيمات الحدودية شمال شرق سوريا بالنازحين حتى بلغت أقصى طاقات استيعابها، لم يجد الأهالي بداً من انشاء تجمعات سكنية جديدة عرفت بالمخيمات العشوائية.
مخيمات عشوائية
وتنتشر المخيمات التي بنيت بطريقة عشوائية على طول الشريط الحدودي مع تركيا، وقرب مراكز المدن والبلدات الحدودية مثل “جرابلس، بزاعة، قباسين والراعي” في ريف حلب الشمالي الشرقي، وهي تجمعات للعائلات النازحة التي لم تستطع دخول المخيمات.
عائلة “أبو خليل” من منطقة الحص بريف حلب الجنوبي كانت واحدة من بين مئات العائلات التي وصلت ريف حلب الشمالي، بعد تقدم النظام وسيطرته على منطقة الحص قبل أسابيع قليلة.
تعيش عائلة “أبو خليل” اليوم في خيمة متوسطة الحجم صنعت من مادة الخيش المقوى بقطع من النايلون والأكياس البلاستيكية، ونصبت بالقرب من قرية “دوديان” بريف حلب الشمالي، على أرض ترابية تحولت إلى مستنقات وبرك طينية تجرف معها الخيام مع كل هطول للأمطار تشهده المنطقة. ويرافق أبو خليل في موضع سكنه الجديد أكثر من ستين عائلة نازحة، مشكلين تجمعاً من الخيام العشوائية.
يقول أبو خليل: مر اسبوعان على وصولنا ريف حلب الشمالي، هنا لا يمكنك استئجار منزل أو حتى التفكير بهذا الأمر، نظراً للاسعار الخيالية التي يطلبها السماسرة، وهو مادفعني إلى تقديم طلب دخول مخيم السلامة أو أي من المخيمات النظامية الأخرى، لكن الجميع رفض استقبالي، مبررين السبب بعدم وجود مكان لوافد جديد.
ويؤكد أبو خليل: أنه تلقى عشرات الوعود بالحصول على خيمة جديدة في مكان اقامته، وتوفير المساعدات الانسانية والخدمات للنازحين المتواجدين في المنطقة، إلا أن أي من تلك الوعود لم تنفذ.
أوضاع إنسانية مزرية
ويشابه حال أبو خليل عشرات العائلة التي اضطرت إلى النزوح والتوجه إلى مخيمات ريف حلب الشمالي، خاصة وأن الأوضاع الانسانية في مخيمات ريف ادلب العشوائية متدهورة وتنعدم فيها أبسط مقومات العيش.
لكن الأوضاع الانسانية في ريف حلب الشمالي لم تكن بافضل عن مخيمات ريف ادلب، اذ أن المنخفض الجوي الذي تشهده المناطق الحدودية، والمستنقعات الطينية والأرض الترابية التي تحولت إلى برك من الوحل، تنتشر بين المخيمات، لم تكن الهم الأول للنازحين.
“وصلنا إلى المنطقة باللباس الذي نرتديه، وبعض المؤن التي قدرنا على حملها قبيل مغادرة منازلنا، لكن وبعد أسابيع من العيش في الظروف القاسية هنا، لم نعد قادرين على تدبر أمورنا المعيشية” كما تقول الحاجة “أم جميل”، وهي امرأة نازحة من قرية “جب الأعمى” بريف حلب الجنوبي.
وتضيف أم جميل التي تعيش اليوم ضمن تجمع للنازحين: لم نترك مسؤولاً إلا وأخبرناه بحالنا وأوضاعنا التي نعاني منها، لكن الوعود هي ماحصلنا عليه في النهاية دون ان ينفذ أحد وعده، عدا بعض الجمعيات التي قدمت لنا هذه الخيمة الصغيرة ويضع معلبات من الطعام لم تكفينا سوى يومين اثنين فقط.
قلة الدعم اللازم لمعالجة مشكلة النازحين الجدد
تجاوز تعداد المخيمات أو التجمعات العشوائية،العشرين تجمعاً، موزعة على مختلف المدن والقرى الحدودية، وتضم هذه التجمعات قرابة العشرة آلاف نازح من سكان ريف حلب وادلب والرقة ودير الزور، كما يقول “أبو خالد” مدير مخيم الملعب في جرابلس.
ويضيف: بالنسبة لنا فإن أبواب مخيمنا مفتوحة لجميع النازحين، ولم نمنع دخول المخيم على الوافدين الجدد، لكن البعض يفضل العيش في تجمعات منعزلة عن باقي السكان تضم عائلات من لها صلة قرابة فيما بينها، لاعتبارات عشائرية واجتماعية، لكن ورغم ذلك نسعى جاهدين لتوفير متطلبات العيش أو أساسياته من خلال تخصيص مساعدات ثابتة للنازحين المتواجدين في التجمعات القريبة من مخيمنا والمخيمات المجاورة.
ويؤكد: إن ضعف الامكانات وقلة المساعدات الانسانية التي تكون محدودة جداً وغير كافية حتى للمدنيين المتواجدين في المخيمات الاساسية، إضافة إلى توقف عمل العديد من المنظمات والمؤسسات الانسانية في ريف حلب الشمالي، تعيق عمل المؤسسات المسؤولة عن شؤون النازحين، لتصبح مهمة تقديم المساعدات لهم من عمل المجالس المحلية القريبة من القرى التي بني عليها المخيم.
أكثر من نصف مليون نازح ومهجر سوري يعيش في المخيمات المركزية بريف حلب الشمالي، وسط معاناة متواصلة مع البرد وشح دائم في الموارد الانسانية والغذائية، إلا أن معاناتهم تحولت إلى رفاهية بالنسبة إلى ألاف النازحين الذين يعيشون في مناطق لاترقى حتى لمسمى “مخيم للنازحين” وباتت تعرف بالمخيمات العشوائية.
منصور حسين / وطن اف ام