داخل غرفة مظلمة من منزل متهالك في أحياء ادلب الشعبية، تعيش “وفاء” المهجرة من مدينة حلب مع ابنتها وأحفادها السبعة، الذين بقوا من ارث أبنائها الثلاثة الذين قضوا خلال معارك سيطرة النظام على مدينة حلب.
خرجنا بلباسنا الذي نرتديه، أو هو ماتبقى لنا من منزلنا الذي سيطر عليه النظام، واستقرينا في مدينة ادلب، بعد أن عايشنا مأسآة الحياة في المخيمات فترة من الزمن، لكن حتى العيش في هذا المنزل أبشع من الخيام، كما تقول “وفاء” أو “أم أحمد”.
وتضيف: أعيش حالياً مع ابنتي، وزوجات أبنائي الأرامل الثلاث، بالإضافة إلى أحفادي السبعة على مايقدم لنا من قبل الجمعيات والمؤسسات الانسانية، بعض المواد الغذائية وغيرها من المواد المعيشية التي لاتكفينا لآخر الشهر، لكنها تبقى أفضل من لاشيء خاصة وأننا دون معيل.
في غرفة استقبال الضيوف أو النوم أو الجلوس جميعها مسميات للغرفة التي تجلس فيها “أم أحمد” مع ابنتها، حيث الجدران المتهالكة التي تداعت جراء الغارات التي تعرض لها الزقاق، وبصيص ضوء يخترق ظلام الغرفة الدائم من نافذة صغيرة تعتلي حائط الغرفة، تفرش أم أحمد أرضيتها ببضع سجادات مقطعة وبعضاً من البطانيات المستخدمة للنوم أيضاً.. كما يحدثنا.
وتقول أم أحمد: لم يتبقى بيدي حيلة، يجب علي الاقتناع بالزهيد الميسر لعائلتي، فهنا لانعرف أحد ولايوجد قريب يأتي ويطمأن علينا، نقاوم شهرياً في سبيل تأمين “40 ألف ليرة” إيجار هذا المنزل الذي لايمكن العيش فيه.
فقدان مستمر
توفي زوج “أم أحمد” عام “2013” نتيجة غارة جوية استهدفت حي الشعار شرق مدينة حلب، خلال فترة سيطرة فصائل الجيش السوري الحر على المنطقة، بعدها انضم أبنائها الثلاث “علاء، عمر وأحمد” للقتال إلى جانب فصائل الجيش السوري الحر، وبعد أشهر قليلة قضى “ابنها البكر أحمد” ثم أخويه “عمر وعلاء” تاركين خلفهم سبعة أطفال وثلاث نساء أرامل.
قتل زوجي في معارك “الشيخ سعيد” قبل خمس سنوات، بعد أشهر قليلة من انخراطه في صفوف الجيش السوري الحر، تاركاً خلفه ثلاث أطفال دون معيل لهم، تتحدث “آية” أرملة “أحمد”.
وتضيف: فضلت البقاء مع عائلة زوجي حرصاً على أطفالي، واعتيادهم على العيش رفقة أبناء عمهم وجدتهم، إضافة إلى الأوضاع المادية لعائلتي التي تجعلها عاجزة عن تحمل عبئ مصاريف الأطفال، ولا أخفيك خوفي من الزواج بعد مقتل زوجي.
وفي ردها على سؤالنا عن أسباب خوفها من الزواج، تقول آية: لا يمكن لرجل تحمل أطفال غيره، وتحمل تكاليف ومصاريف مالية لهم ولحياتهم، بالإضافة إلى أن أطفالي لا يمكنهم تقبل وجود رجل غريب في حياتهم، خاصة وأنهم في سن تجلعهم قادرين على فهم الأمور الحياتية.
وأضافت: صراحة هذه الأسباب أتشاركها مع البقية، جميعنا رفض العودة إلى منزل أهله وتخوف من تحوله إلى عبئ تحاول العائلة التخلص منه، نحن راضيين اليوم بما قدر لنا أن نعيشه، ويجب علينا الالتفات للأطفال وتربيتهم بأفضل صورة ممكنة.
أنهت “ماجدة” ابنة “ام أحمد” البالغة من العمر مايقارب الثلاثين سنة، والتي شاركت في تنظيم عدة فعاليات نسائية ثورية في حلب وادلب، أنهت تحضير وجبة الغداء، الذي كان عبارة عن شوربة العدس والخبز القاسي ومايسر للعائلة اقتنائه، وجلس الجميع في دائرة حول مائدة الطعام.
تقول ماجدة: كل ماذهب لايمكن استعادته، والدي واخوتي جميعهم رحلوا دفاعاً عن قضية آمنوا بها، وقدموا أرواحهم في سبيل انتصارها، يجب علينا التفكير بما هو قادم ومستقبل العائلة الذي يشكله هؤولاء الأطفال.
وتضيف: نحاول جاهدين أن ينعم الأطفال بمستقبل أفضل مما يعايشونه اليوم من جوع وتهجير وخوف، يجب أن يعيشوا الطفولة بكل معانيها، وهو أمر صعب جداً في ظل الخوف الدائم من القصف، بالإضافة إلى احتياجهم لمرشدين نفسيين يساعدهم على تجاوز مخاوفهم التي نمت نتيجة الحرب التي عايشوها في مدينة حلب.
علينا أن نزرع في قلوبهم ما آمن به آبائهم، وتنمية قدرتهم على ادراك الحق ونصرته مهما كلف الثمن، يوم أمس احتفلنا بذكرى شرارة الثورة وغداً سنحتفل بذكرى انطلاقها، يجب على الأطفال أن يدركوا أهمية التضحيات التي قدمها الأباء، كما قالت “ماجدة”.
وأضافت: هنا لم يعد لدينا أي شيء كل حياتنا أصبحت تدور في فلك الأطفال، وعلينا تربيتهم على روح الثورة وتعليمهم ماكان يرفض علينا امتلاكه “الحرية والكرامة” ليكون لدينا جيل جديد يعرف لماذا ضحى أكثر من نصف مليون شخص بأرواحهم.
سيلا الوافي – وطن اف ام