وصلت فجر اليوم إلى “قلعة المضيق” بريف حماة الشمالي الغربي، آخر قوافل المهجرين من القاطع الجنوبي من غوطة دمشق الشرقية، ضمن اتفاق التهجير الذي فرضته قوات الأسد على أهالي الغوطة بريف دمشق.
الخروج المرير
“عمران” صاحب العقود الأربع، كان رفقة عائلته المكونة من زوجته وأطفاله الخمسة، من بين الوافدين الجدد إلى الشمال السوري بعد أن أجبر على ترك منزله في مدينة عربين بريف دمشق، واللحاق بجيران الحصار إلى ادلب.
“هي أصعب الرحلات التي يمكن أن يعيشها المرء، بين فرحة النجاة بأرواح أطفالك رغم المستقبل المجهول الذي ينتظرنا، وقطع الارتباط بالأرض التي عشت وولدت فيها، رحلة شاقة نفسياً ومعاناة لا توصف حقاً” قال عمران الذي كانت تبدو عليه علامات الحسرة والحرقة.
وأضاف: أربع سنوات من التنقل بين مدن وبلدات الغوطة الشرقية هرباً من الموت والقصف الذي دمر منزلي، النزوح إلى “حزة ثم سقبا إلى زملكا ثم العودة إلى عربين” بعد أن ضاقت علينا الأرض، لم نعرف معنى الأمان والراحة فيها، ولم نتصور في يوم من الأيام الخروج من أرضنا قسراً كما حدث اليوم.
وعن مسير الرحلة يوضح: انتظرنا مايقارب العشر ساعات حتى انطلقت القافلة، واستغرقت رحلتنا يوماً كاملاً، صعدنا الحافلات صباح يوم الخميس ووصلنا فجر اليوم الجمعة، لم نسترح أبداً رغم مطالبتنا المرافقة الروسية بالتوقف من أجل الأطفال والنساء المتواجدين معنا، إلا أن مطلبنا رفض خشية تعرض القافلة إلى المضايقات من قبل مؤيدي نظام الأسد وحواجزه العسكرية كما قالوا لنا.
آلاف المهجرين وصلوا ادلب
تعتبر قوافل مهجري مدينة عربين والقطاع الجنوبي من الغوطة الشرقية التي وصلت قلعة المضيق خلال الساعات الماضية، تتمة لاتفاق التهجير الذي نص على ترحيل مدنيي الغوطة ضمن مراحل.
بلغ عدد المهجرين القادمين من غوطة دمشق الشرقية خلال الأيام الماضية مايزيد على “الخمس وثلاثون ألف” مدني، من القاطعين الأوسط والجنوبي، كما توضح احصائيات “منسوقو الاستجابة السريعة في الشمال السوري”.
وحسب الناشطة الميدانية “سناء فضل الله”: “فقد استقبلت مدن الشمال “5200” مهجر من أهالي القاطع الأوسط في الغوطة الشرقية والتي تضم مدينة حرستا، خلال المرحلة الأولى من اتفاق التهجير، تم نقلهم إلى مراكز الايواء المؤقت بريف ادلب، إضافة إلى استقبال مايزيد على “الخمسة وعشرون ألف مدني” على ستة دفعات من القاطع الجنوبي الذي يضم “عربين، زملكا، عين ترما وسقبا” وحي جوبر”.
تم نقل المهجرين إلى مراكز الايواء المؤقتة بريفي حماة وادلب، على أمل تأمين مراكز سكنية ومخيمات جديدة في المناطق الحدودية، ونقل مايقارب “الخمسمائة عائلة” إلى القرى التي أبدى أهلها استعداداً لاستقبال المهجرين، كما تحدثت.
أزمة انسانية ونقص في المستلزمات
التهجير الأخير الذي فرض على مدنيي الغوطة الشرقية يعتبر الخامس من نوعه، فقد سبقه تهجير سكان “الغوطة الغربية وحي الوعر الحمصي ومدينة حلب”، الأمر الذي فاقم من حالة النقص الذي تعاني منه المنظمات الانسانية في الشمال السوري، وعدم قدرتها على مواكبة الوضع الانساني الجديد.
وعن أوضاع المهجرين وأهم الاحتياجات والمستلزمات التي تنقص العوائل المهجرة، تقول الناشطة الميدانية “سناء فضل الله”: هناك نقص في كل شيء، مراكز الايواء المؤقت مكتظة بالمهجرين منذ الدفعة الثالثة. الطعام الوافد من المنظمات قليل جداً ولايغطي حاجة الموجودين، عدا الوجبات المقدمة من الأهالي، بالإضافة إلى أن المنظمات الانسانية العاملة في المنطقة لم يكن عملها بالشكل الفعال نتيجة نقص الموارد أيضاً، وعدم تحرك المنظمات الأممية لاحتواء الكارثة الانسانية التي تتضخم تباعاً في مناطق الشمال السوري.
وتكمل: التضخم الذي تعاني منه محافظة ادلب والشمال السوري عموماً بعد حملات التهجير المتلاحقة، أدى إلى اكتظاظ المخيمات والمناطق السكنية بشكل شبه كامل، فأصبح من الصعب نقل المهجرين إلى المخيمات، وعلاوة على ذلك ارتفاع أسعار العقارات إلى مبالغ خيالية.
لم ينته مسلسل تهجير المدنيين من غوطة دمشق الشرقية، إذ لايزال القاطع الشمالي الذي يضم مدينة “دوما” والقرى المحيطة بها، إضافة إلى وضع خطة تهجيرية مستقبلية تستهدف قاطني الأحياء الجنوبية من العاصمة دمشق على قائمة المفاوضات الجديدة، وهي عملية إن تمت ستكون ثامن عملية تهجير وتغيير ديمغرافي تقوم بها قوات النظام في غضون عامين.
منصور حسين – وطن اف ام