لم يتمكن “أبو سعيد” صاحب الستة عقود والمهجر من مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية، من الإعتياد على واقع حياته الجديدة في ريف حلب الشمالي، رغم مرور أسابيع على وصوله مدينة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي.
أبو سعيد هجر مع من تبقى من عائلته إلى ريف مدينة جنديرس بريف عفرين الجنوبي، بعد اتفاق يقضي بمغادرة المدنيين الرافضين البقاء تحت حكم النظام، إلى مناطق سيطرة الجيش السوري الحر بريف حلب الشمالي، وإلى اليوم يحاول الإندماج والتعايش مع واقعه الجديد المختلف عن الحياة السابقة التي كان يعيشها.
حياة المخيمات
“حياتي وحياة أبنائي كانت دائماً بين المحاصيل وزراعة الأرض التي كنت أمتلكها على أطراف مدينة “دوما”، لم نتعلم مهنة يدوية يمكن أن تساعدنا اليوم في تدبر أمورنا المعيشية، نظراً للطبيعة الريفية التي كانت تسيطر على حياتنا”، كما قال “أبو سعيد”.
وأضاف أبو سعيد، وصلت إلى هذا المكان رفقة ثلاثة من أبنائي وزوجاتهم وأحفادي الثمانية، بعد سنوات من القصف والموت الذي سرق مني زوجتي واثنين من أبنائي، ورغم مرور الأسابيع على تواجدنا هنا، إلا أننا لم نتمكن من الإعتياد على واقع حياتنا الجديد، فالعيش ضمن مخيم مكتظ بالناس دون وجود خصوصية حقيقية لنا على عكس حياتنا الريفية الهادئة، تعتبر أبرز التغيرات التي حصلت.
وعن حياة المخيم والعيش ضمن مساحة صغيرة بجدران من النايلون، وأهم الإحتياجات التي تنقصهم، وضح أبو سعيد: “لايمكنك الحديث عن النواقص أو الإحتياجات هنا، الحصول على الطعام والشراب بشكل كاف “وهو الأمر الذي لم يحدث” نتيجة معاناتنا من نقص الطعام والشراب، لن يجعلك تتغاضى عن واقع حياتك ضمن خيمة صغيرة لاجدران وسقف لها، وهو مانعاني منه في كل مرة تهطل فيها الأمطار كما يحدث منذ وصولنا”.
وأشار أبو سعيد، لايمكن أن تطالب بحياة أفضل طالما أنك تعيش في مخيم بين جموع الناس، فهنا ستنظر إلى مايحصل عليه الجيران وتعيش المظلومية رغم أن الجميع يأخذ نفس مقدار المخصصات، ثم تعتاد على العيش تحت التفكير بالقليل والقتال لأجله دون أي عمل جدي من أجل التحسين، وكأنك مرغم على ذلك، وهو مالايمكن أن نعتاد عليه مطلقاً.
“العيش في المخيمات لايساعد على المضي قدماً في الحياة ومقارعتها، كما هو الحديث عن الحياة السابقة التي كنا نعيشها في دوما.والحديث عن الاحتياجات هنا لايمكن أن يحسن من نوع الحياة بشكل كبير، فهنا جميع المطالب تدور في فلك مطلب وحيد وهو منزل بجدران من حجر، وهذا مالايمكن توفره”، هكذا علق “أبو سعيد” على سؤالنا عن لوازم حياته والتغيرات التي طرأت عليه بعد مغادرته مدينته دوما.
محاولات العمل
أما بالنسبة إلى “رضوان” كما عرف عن نفسه، وهو الإبن الثالث لأبو سعيد، فلم يكن حديثه مغايراً لما قاله والده عن الحياة في المخيم، فهو يغادر يومياً إلى مركز مدينة عفرين ومدن ريف حلب الشمالي بحثاً عن فرصة عمل مناسبة له، علها تساعد عائلته في الحصول على حياة أفضل.
“العيش في مخيم؟، لايمكن تقبل الأمر، تحديداً للعائلات التي تمتلك رضعاً وآخرون في عمر الإلتحاق بالمدارس، يجب أن يغادرو إلى مدارسهم ويعودوا إلى منزل من جدران وسقف وغرف خاصة بهم، هذا مايحتاجه الطفل على الأقل ليكمل حياته دون عقد نفسية” كما يخبرنا رضوان الذي يكافح في سبيل الحصول على مهنة بمردود جيد.
وأردف رضوان: عملت مدة أيام في “العتالة” وانا أستطيع التعايش مع هذه المهنة، خاصة وأني ابن ريف حمل الكثير من أكياس القمح والشعير، لكنها مهنة غير دائمة، ولايمكنني الإعتماد عليها في توفير إيجار منزل وتأمين الطعام لعائلتنا الكبيرة نوعاً ما .. أحاول البحث عن عمل دائم ولايهم التعب، مايهمني حالياً المردود المادي فقط.
تحديات كثيرة يواجهها مهجروا المناطق المحاصرة المتوافدين إلى ريف حلب الشمالي، من الاعتياد على حياة المخيمات وليس انتهاء بمحاولات البحث عن عمل في منطقة تنتشر فيها البطالة، ليتحول النازح والمهجر إلى مقاتل يصارع في سبيل تأمين حياة كريمة بعيداً عن كونه مستهلك ينتظر مكرمة غذائية لاتكفي.
منصور حسين / وطن اف ام