“خمسة آلاف ليرة سعر خزان المياه الذي لايكفي لإسبوعين، والكهرباء معدومة، والخيمة مهترئة نتيجة تعاقب الفصول الأربعة عليها، ثم كانت اللشمانيا، آخر فصول المعاناة داخل المخيم المطل على أكوام من النفايات”.
بهذه الكلمات، لخص “أبو جمعة” النازح من منطقة الحص إلى بلدة الزربة معاناته داخل مخيم الزربة بريف حلب الجنوبي، بعد مرور تسعة شهور على تواجده داخل المخيم، الذي يفتقر لأدنى شروط العيش.
وقال أبو جمعة مسترسلاً: الشتاء الماضي جرفت السيول خيمتي مع بقية الخيام المنصوبة، واليوم نحترق تحت أشعة الشمس، إضافة إلى انعدام المساعدات الاغاثية، وشرائنا المياه وانعدام الكهرباء، وفي كل مرة نراجع المجلس المحلي يقولون لنا إن المؤسسات الاغاثية والمنظمات المدنية لاتقدم لهم أي مساعدات؟!.
وتابع: قبل شهرين تقريباً أصيبت ابنتي باللشمانيا ((حبة حلب)) ولدى مراجعة المستوصف الطبي قالوا لي بأن الدواء غير متوفر، ما اضطرني للتوجه إلى ريف حلب الغربي من أجل الحصول على العلاج ودفع ثمنه، واليوم أصيب ابني الكبير “14” سنة وابنتي الصغيرة “ست سنوات” بالمرض ذاته.
مخيم الزربة خارج نطاق التخديم
مخيم الزربة الذي بني على عجل قبل عام لاستيعاب عشرات العائلات الفارة من معارك سيطرة قوات الأسد على ريف حلب الجنوبي، تحول اليوم إلى واحد من أكبر التجمعات السكانية في المنطقة، نظراً لعمليات التهجير التي شهدتها مناطق الشمال السوري.
وأوضح رئيس المجلس المحلي لبلدة الزربة “شعبان الأحمد”: “أن الخدمات الإنسانية داخل المخيم معدومة تماماً، ويعاني القاطنيون ظروفاً معيشية قاسية، تفاقمت مع دخول فصل الصيف، نتيجة غياب المؤسسات الإغاثية، رغم المناشدات والطلبات المتتالية المقدمة من قبل المجلس لكن أي منها لم يجد نفعاً”.
وقال شعبان: يعيش حالياً داخل المخيم الغير مجهز بأي نوع من أنواع الخدمات الصحية أو الطبية “350” عائلة، تضم ما يزيد على “2500” فرد من مهجري “حلب وريف حماة وريف ادلب” علماً كان مقرراً أن طاقة استيعاب المخيم ما يقارب المئة عائلة فقط.
وأفاد: منذ عام وأكثر لم تمد يد العون لنا أي جهة ، عدا عن بعض المؤسسات التي قدمت لمرة أو اثنتين على الرغم من قرعنا أبواب المنظمات والمؤسسات الإنسانية، كما أن الجميع يتجاهل مطالبنا بالحصول على دعم مادي لانشاء مشاريع خدمية.
وأشار إلى “أن المجلس غير قادر على تنفيذ مشاريع خدمية في البلدة والمخيم لعدم وجود دعم مالي يغطي تكلفة المشاريع، إضافة إلى امتناع المؤسسات الخدمية والإنسانية عن تقديم المساعدات للمنطقة، عازين رفضهم إلى تردي الأوضاع الأمنية فيها.
500 مصاب باللشمانيا ونقطة طبية وحيدة
ويعتبر التدهور الصحي الذي تعيشه مناطق ريف حلب الجنوبي المشكلة الأبرز ، نتيجة انعدام المشافي واقتصار التواجد الطبي في القرى والبلدات الخاضعة لسيطرة الثوار على ثلاث نقاط صغيرة، ما تسبب في ارتفاع معدل انتشار الأمراض نتيجة قلة الرعاية الطبية.
فقد سجلت النقطة الطبية الوحيدة في بلدة الزربة، والتي تقدم خدماتها لأكثر من “2000” عائلة مايعادل “12000” نسمة، سجلت أعلى نسبة من المصابين بمرض اللشمانيا، تجاوزت “500 مصاب” هذا الصيف وحده، نتيجة سوء الواقع الخدمي واعتماد الأهالي على “حفر الصرف الصحي”، وتراكم النفايات في محيط البلدة والمخيم المجاور لها.
وبيّن “شعبان الأحمد” أن تعداد المصابين باللشمانيا تجاوز نسبة 10% من المقيمين في بلدة الزربة، نتيجة تردي الأوضاع الخدمية وانتشار مكبات النفايات في المناطق المحاذية للتجمعات السكانية.
ولفت: حتى اللحظة بلغ تعداد المصابين المسجلين لدينا باللشمانيا أكثر من “500 مصاب” من مختلف الأعمار، نتيجة اعتماد الأهالي على “حفر الصريف الصحي” التي تعتبر تجمعاً للحشرات الناقلة للمرض، بالإضافة إلى السور الذي باتت تشكله مكبات النفايات في محيط البلدة، وهي أيضاً من العوامل الرئيسية المسببة في انتشار اللشمانيا وأوبئة أخرى يعاني منها المدنيون.
وأضاف رئيس المجلس المحلي: “تتوفر بلدة الزربة والمخيم المجاور لها على نقطة طبية وحيدة “لاتوجد فيها عربة اسعاف”، تقدم العلاج لأكثر من “2000” عائلة بينهم “1500” عائلة نازحة ومهجرة، وتستقبل يومياً مايزيد على “المئتي” مراجع ومريض، إلا أن الأوبئة المنتشرة والتي تتزايد تباعاً تبقى أبرز التحديات التي تواجه المركز الطبي، نظراً لعدم توفر الأدوية والعقاقير المضادة للمرض.
وبحسب المجلس المحلي فإن عملية رش المبيدات الحشرية في منطقة الزربة، قد يكون حلاً فاعلاً ومساعداً في الحد من انتشار هذا الوباء والقضاء على “ذبابة الرمل” المسببة لمرض اللشمانيا، لكن المطالبة بتوفير هذه المادة أيضاً لم تلقى أي استجابة من قبل المنظمات والمؤسسات الطبية والخدمية.
في ضوء واقعها الخدمي المتردي والخارج عن أي تصنيف، لربما تمثل منطقة الزربة في ريف حلب الجنوبي اليوم، واحدة من أكثر المناطق المنكوبة في العالم، لكنها المتروكة مع ذلك بدون مساعدة من أي جهة حتى من أجل مواجهة وباء اللشمانيا الذي يجد له ظروف انتشار مثالية في البلدة ومخيمها مع غياب أي من مواد المكافحة والعلاج.
منصور حسين – وطن اف ام