نشرت صحيفة “فيلت” الألمانية تقريرا تحدثت فيه عن مقتل آلاف المعتقلين السياسيين في السجون السورية، الذين مارس نظام الأسد في حقهم أبشع أنواع التعذيب، في وقت حث فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسد على التصالح مع المعارضة السياسية غير المسلحة، ولا سيما المعارضين المتمركزين في آخر المدن المقاومة للنظام.
وقالت الصحيفة، في تقريرها، إن الأسد يدرك جيدا أن إيران وروسيا لن تتخليا عنه، لذلك سيتخلص من كل من يشكل عقبة في طريق استعادته السيطرة الكاملة على سوريا، لافتة إلى أن السجل المدني في سوريا أعلن مؤخرا عن وفاة نحو 1400 معتقل سوري، أكثر من ألف منهم من مدينة داريا، التي تقع بالقرب من العاصمة دمشق، وبعد أن سمع أهالي المدينة الخبر، خرجوا في مسيرة عفوية يحملون الورود الحمراء ليودعوا بها قتلاهم، بعد أن تخلص منهم نظام الأسد.
وأفادت الصحيفة بأن أهالي القتلى ظلوا لسنوات طويلة لا يعلمون شيئا عن ذويهم من المعتقلين، وكان نبأ وفاتهم نتيجة حتمية للنظام القمعي الذي تعيش سوريا في ظله، منوهة إلى أن نظام الأسد استعاد سلطته القمعية بالكامل، فهو الآن يعلن عن مقتل السجناء السياسيين، دون خوف من العواقب.
أما فيما يتعلق بآخر معقلين للمقاومة في سوريا، فعلى النظام السوري أن يجد حلا سلميا لاحتواء المعارضة، وخلال هذه المرحلة الانتقالية من الحرب، من المفترض أن يسعى النظام لاستعادة الشرعية التي فقدها، وقد أكد الرئيس الروسي لنظيره الأمريكي خلال قمة هلسنكي، أن سوريا مقبلة على “عملية تطبيع” وستكون روسيا داعما لنظام الأسد، بحسب الصحيفة..
وأوردت الصحيفة أن روسيا بالفعل سحبت بعض قواتها المتمركزة على تخوم الأردن وتركيا ولبنان، وستشرف القوات الروسية على إعادة نحو ستة ملايين لاجئ سوري من البلدان المجاورة، وخلال الأسبوع الماضي، تطرق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لمسألة عودة اللاجئين السوريين في ألمانيا إلى وطنهم. ولكن حتى الآن، لازال عدد اللاجئين الذين ينوون العودة غير معروف.
وذكرت الصحيفة أن نظام الأسد وضع عشرات الآلاف من اللاجئين في الخارج على القوائم السوداء، وهذا يعني أن السجن سيكون مصيرهم في حال عودتهم للبلاد. وحسب ما أكدته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، يوجد قرابة 82 ألف معتقل في السجون السورية منذ سنة 2011، ومازال مصيرهم مجهولا، ويوم الأحد الماضي، ذكر مركز توثيق الانتهاكات في سوريا أن قرابة ثمانية آلاف معتقل منهم قد لقوا حتفهم، وقد قدم المركز قائمة كاملة بأسمائهم.
وأوضحت الصحيفة أن الشرط الأساسي لإعادة سيطرة نظام الأسد وروسيا على البلاد، هو إعادة إعمارها، فقد طال الخراب والدمار المدن التي شهدت تواجد المعارضة المسلحة، على غرار حلب، وكل ما فيها من مرافق وبنية تحتية يجب أن يعاد بناؤها من جديد، وقد ندد نشطاء حقوق الإنسان على مستوى العالم الاستهداف الممنهج للبنية الأساسية في سوريا من قبل قوات النظام وروسيا.
ونوهت الصحيفة إلى أن روسيا تطمح منذ مدة لاستقطاب الدول الأوروبية لإعادة إعمار سوريا، ولكن الاتحاد الأوروبي اشترط استقالة الأسد قبل أي مبادرة للتعاون، ولكن قد يتلاشى هذا الشرط، الذي وضعته أوروبا، بعد انتهاء الحرب، فعلى سبيل المثال، اتفقت فرنسا مع روسيا على إدخال مساعدات طبية إلى الغوطة الشرقية، وبالفعل، وصل إلى ضواحي دمشق حوالي 50 طنا من الإمدادات الطبية خلال شهر تموز/ يوليو الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى أن نظام الأسد استطاع خلال الشهرين الماضيين السيطرة على مدينة درعا، التي انطلقت منها شرارة الثورة السورية، كما سيطر النظام على أكبر جزء من هذه المنطقة دون خوض أي معارك، وذلك بعد مفاوضات مع المعارضة، ومن المفترض أن يتبع الأسد نفس الخطة مع آخر معقلين للمعارضة.
تقع محافظة إدلب شمالا، حيث تفرض بعض العناصر المسلحة سيطرتها. ويمتد شمال سوريا على حدود العراق، وعلى طول الضفة الشرقية لنهر الفرات، وتبلغ مساحة المنطقة الشمالية ثلث مساحة سوريا تقريبا، ويسيطر على هذه المنطقة قوات سوريا الديمقراطية، التي تضم ميليشيات كردية وعرب وآشوريين، مدعومين أساسا من الولايات المتحدة.
وأبرزت الصحيفة أن هدف الأسد القادم هو استعادة إدلب، وهو على استعداد تام للقتال من أجل ذلك، ويبدو أن الأسد لا ينوي التفاوض أو السلام مع المعارضة، وهذا يعني أن العنف سيؤدي إلى التصعيد مرة أخرى، ومن الواضح أن التواجد التركي شمال سوريا هو العائق الوحيد أمام الأسد، خاصة أن أي محاولة لدخول إدلب تعني مواجهة مباشرة مع تركيا، وفي الوقت الحالي، على الأسد أن ينتظر ما ستسفر عنه محادثات سوتشي بشأن إدلب.
وأكد الأسد لوسائل إعلام روسية أنه توجد مفاوضات حالية مع ممثلين من المنطقة الشمالية. وحسب ما أكده ممثل عن قوات سوريا الديمقراطية، رياض درار، تم الاتفاق مع الحكومة على تشكيل مجموعات عمل، تهدف إلى تحويل شمال سوريا إلى منطقة حكم ديمقراطي، لا تتبع الحكومة المركزية في دمشق.
وفي الختام، قالت الصحيفة إنه بعد سبع سنوات من الاقتتال في سوريا، وسقوط نحو 350 ألف قتيل، ونزوح قرابة 11 مليون سوري، فإن الحل الوحيد لإحلال السلام في سوريا هو المفاوضات.
وطن اف ام/ عربي 21