نشر موقع مجلة “ذا أتلانتك” مقالا للكاتب سام داغر، يتساءل فيه عن سبب بدء نظام الأسد بالإفراج عن أسماء المفقودين في الثورة السورية.
ويتساءل الكاتب في مقاله، إن “كان هذا الأمر لتذكير من تجرؤوا على النظام أنه انتصر، أم لأن الروس يريدون تصفية الأمور، وفتح علاقات مع الدول الأوروبية، والدخول في مرحلة إعادة إعمار البلاد؟”.
ويعلق داغر قائلا إنه “أيا كان الأمر، فإن معرفة عائلات المفقودين مصير من أحبوا وغيبهم نظام بشار الأسد في سجونه هي خاتمة قاسية، وفيه أشار إلى المفقودين الذين اعتقلهم في بداية الثورة، عندما اندفع جيل من الناشطين المدنيين لمواجهة نظام بشار الأسد سلميا، والمطالبة بإصلاحات ودولة مدنية للجميع دون أي خوف”.
ويتحدث الكاتب مع اللاجئة السورية من بلدة داريا في لبنان ياسمين (30 عاما)، حيث تذكرت ما قاله والدها مع بداية ما يطلق عليه الربيع العربي عام 2011: “لماذا نلجأ إلى القوة ونحن نملك عقولا؟ دعونا نحتج سلميا”، وبناء على نصيحة الأب قامت وشقيقها البالغ من العمر 20 عاما بالمشاركة في احتجاجات سلمية، نظمها ناشط مدني جذاب اسمه يحيى الشربجي.
ويشير داغر إلى أن شعار التظاهرات كان هو دولة مدنية للمسلمين والمسيحيين والدروز والعلويين، لافتا إلى أن ياسمين راقبت شقيقها وأصدقاءه وهم يوزعون الورود وزجاجات المياه على الجنود الذين أرسلوا لداريا لمواجهة المتظاهرين، لكن حلم السلمية تحول في منتصف عام 2011 إلى مواجهة عسكرية، عندما بدأ الأسد بقتل قادة التظاهرات الرئيسيين واعتقالهم، والإفراج في الوقت ذاته عن الجهاديين من تنظيم القاعدة والجماعات الأخرى من السجون، فدفع الجهاديون المحررون بالثورة إلى المواجهة مع النظام، ما منح النظام المبرر لزيادة عنفه ضد الجماعات المحتجة.
ويلفت الكاتب إلى أن والد ياسمين وشقيقها والشربجي كانوا من بين المحتجين الذين اختطفهم النظام من داريا، فيما أرسلت جثة ناشط عمره 25 عاما كان يعمل خياطا، ويطلق عليه غاندي الصغير إلى داريا، وعليها آثار التعذيب. أما البقية، بمن فيهم والد ياسمين وشقيقها، فقد ظلوا دون أثر، وأفرج عن شقيقها عام 2012، ثم اعتقل مرة ثانية عام 2013.
ويفيد داغر بأنه في الشهر الماضي، وبعد سبعة أعوام من اختفاء والد ياسمين عند حاجز تفتيش، واختفائه في قلب نظام الاعتقال، فإن ياسمين وعائلتها علموا، من خلال محام في دمشق، أن والدها من بين الموتى المسجلين في الدائرة المدنية، وهي مؤسسة تقوم بجمع المعلومات الأساسية عن المواطنين، مشيرا إلى أنها الأخبار الحزينة ذاتها التي تلقتها عائلات ناشطين في داريا، مثل يحيى الشربجي وشقيقه معن، اللذين اختفيا منذ عام 2011، وماتا بحسب الدائرة المدنية بعد 11 شهرا من اعتقالهما في عام 2013.
ويقول الكاتب إن السلطات السورية، بمن فيها الشرطة العسكرية ودائرة الأمن الوطني، التي تشرف على مراكز المخابرات، التي اعتقل وعذب فيها الناشطون، تقوم بطريقة منهجية بنشر ما يطلق عليها شهادات وفاة لمكاتب السجلات المدنية في أنحاء البلاد، مشيرا إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية علقت الأسبوع الماضي قائلة، إن هذه الشهادات هي تذكير بما فعله نظام الأسد “من اعتقال منظم، وتعذيب، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين السوريين”، الذين طالبوا بالحريات والحقوق الأساسية.
ويبين داغر أن ياسمين وبقية عائلات المفقودين متأكدون من إعدامهم بناء على قرارات محاكم عسكرية، في الفترة التي اعتقلوا فيها في سجن صديانا، الذي تقول منظمة “أمنستي إنترناشونال”، في تقرير لها العام الماضي، إن 13 ألف سجين على الأقل قتلوا فيه، في الفترة ما بين 2011- 2015، فيما وصف الأسد التقرير بأنه “أخبار مزيفة”.
وينوه الكاتب إلى أنه لا يوجد تقدير واضح لعدد المختفين؛ لأن العائلات لا تفصح عن المعلومات عند تلقيها بلاغات الوفاة؛ خشية انتقام النظام منها، لافتا إلى أن لجنة المعتقلين السوريين، وهي جماعة تابعة للمعارضة، أصدرت في 29 تموز/ يوليو بيانا، قالت فيه إنها أحصت 3270 اسما، منهم ألف من بلدة داريا وحدها.
وينقل الموقع عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قولها إنها عثرت على 532 مفقودا من سجلات الوفيات التي تحتفظ بها الدولة، وتقدر المنظمة وجود 82 ألف حالة اختفاء قسري لدى الدولة منذ عام 2011.
ويورد داغر نقلا عن سوريين، قولهم عن سبب نشر النظام أسماء المفقودين، إنه مجبر من راعيته روسيا على نشر بلاغات الوفيات؛ من أجل إنهاء هذا الملف، في وقت تحاول فيه روسيا التعامل مع الدول الأوروبية والشرق أوسطية لإعادة اللاجئين السوريين، وتمويل الإعمار بعد الانتصارات التي حققها النظام في دمشق وجنوب البلاد، مشيرا إلى أن النظام يتحدث عن عملية جديدة في محافظة إدلب في شمال غرب البلاد.
ويشير الكاتب إلى أن هناك من يرى أن نشر البلاغات هو تذكير قاس وخاتمة وحشية للذين فكروا قبل سبعة أعوام بالنهوض وتحرير أنفسهم من حكم الطائفة العلوية، الذي مضى عليه نصف قرن تقريبا، لافتا إلى أن رسالة الأسد لسكان داريا، التي حاصرها النظام وقصفها لأربع سنوات وأفرغت من سكانها، كانت واضحة: “عليكم ترك كل شيء؛ لأنكم تجرأتم على مواجهتي، ولن يحاسبني أحد لأنني عاقبتكم”.
ويقول داغر إن “وقع أخبار مقتل والد ياسمين كان صادما عليها وعلى عائلتها، ففي كل مرة حاولت فيها التعرف على مصيره، وإن كان في صديانا، كان يقال لهم (انسوه)، وفي ذات مرة قالوا إنه متهم لحيازته دبابة، وهي تهمة مضحكة؛ لأن الأب اعتقل عندما كانت الثورة في مرحلتها السلمية، وتعلق ياسمين قائلة، إن الأسد (قتل رموز المرحلة السلمية لأنهم أزعجوه أكثر من المسلحين)”.
ويذكر الكاتب أن الناشط مازن درويش، الذي اعتقله النظام عام 2012 وأفرج عنه عام 2015، ومنحته ألمانيا اللجوء وعائلته، يتفق مع ياسمين، مشيرا إلى أن النظام كان مستعدا للتفاوض مع الجهاديين، وعقد صفقات استسلام ونقلهم إلى إدلب، “لكنه لم يكن مستعدا للتنازل مع الذين يحملون أجندة وطنية تنبذ العنف”، ويقول إن عددا كبيرا ممن وردت أسماؤهم في قوائم الموتى من داريا هم أصدقاء له، حيث كان من الذين شاركوا في اللجان التنسيقية المحلية، وهي لجان شعبية نشأت مع بداية الثورة.
ويلفت داغر إلى أن يحيى الشربجي ترأس تنسيقية داريا، ويتذكر درويش كيف قام الشربجي وأعضاء اللجنة بطرد متطرفين إسلاميين حاولوا إقامة معسكر تدريب في داريا، ويقول إن اعتقال الشربجي ومقتل غاندي الصغير قادا إلى تقوية الذين كانوا يتطلعون لمواجهة النظام بالسلاح.
وبحسب الموقع، فإن درويش وزوجته يارا بدر وآخرين اعتقلوا في شباط/ فبراير 2012، بعد مداهمة المخابرات لمكتبهم في دمشق، مشيرا إلى أن النظام ارتكب في آب/ أغسطس 2012 مجزرة شنيعة في داريا، قتل فيها حوالي 500 من أبناء البلدة، وحوصرت حتى آب/ أغسطس 2016، وتم قصفها بأنواع الأسلحة كلها، وفي أيلول/ سبتمبر 2016 زار الأسد البلدة المدمرة والفارغة من السكان، وسخر من الذين هتفوا “للحرية الزائفة”، واعتبر الناشطين السلميين “ثوريين مأجورين”.
ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن درويش وغيره من الناشطين يرون أن الإفراج عن أسماء المفقودين هو دليل يمكن استخدامه في المحاكم الأوروبية التي تم فيها رفع دعاوى ضد النظام ومسؤوليه.
وطن اف ام / عربي 21