البحث عن فرصة عمل وتأمين مردود مادي يغطي نفقات العيش الأساسية، يعتبر بالنسبة لكثير من السوريين القاطنين في مخيمات النزوح بداية الطريق لمغادرة مراكز الإيواء أو المخيمات والإنتقال إلى منزل جديد وحياة طبيعية، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء وماخبره النازحون والمهجرون من مشاق ومصاعب يحملها إليهم معه.
فرص عمل محدودة
في مناطق يغلب عليها الطابع الزراعي وتنتشر فيها البطالة بنسبة تتجاوز “60%”، تعتبر عملية البحث عن فرصة عمل تؤمن مردوداً مادياً مناسباً لاستئجار منزل صالح للسكن، أبرز التحديات التي تواجه المعيلين وأرباب أسر النازحين والمهجرين المتواجدين بريف حلب الشمالي والشرقي الخارج عن سيطرة النظام.
“محمد الحسين” الذي اقترب عمره من الأربعين عاماً، والمهجر مع زوجته وأطفاله الثلاثة من ريف دمشق، كان أحد الذين حالفهم الحظ في الحصول على فرصة عمل ملبية تساعد في تلبية احتياجات عائلته الأساسية وتوفير المال الكافي لإستئجار منزل متواضع لكنه كاف.
ويتحدث “محمد الحسين” عن بداية وصوله إلى الشمال السوري وعمله للخروج من مخيم النازحين بريف مدينة الباب فيقول: ” بعد وصولي إلى مخيم الإيواء، قررت أنا وعائلتي شق طريق حياتنا الجديد بعيداً عن الخيام بحثاً عن مستقبل جيد على الأقل من أجل الأطفال، والبحث عن الاستقرار الحقيقي داخل منزل من حجر وطين.
ويضيف: بعد أسبوعين من وصولنا ريف مدينة الباب، تعرفت على تاجر يمتلك أراض زراعية في منطقتي “اعزاز والباب”، عملنا لديه أنا وزوجتي في جني المحاصيل الزراعية الموسمية “البطاطا، الباميا، الفول وغيرها” وقطاف ثمار التين والعنب والزيتون، مقابل الحصول على المؤن الزراعية الكافية إضافة إلى مرتب نقدي يساعدنا على استئجار منزل.
البحث عن منزل في مدن ريف حلب الشمالي أو الشرقي ليس بالمهمة الهينة كما أخبرنا “محمد”، الذي أضاف: تخليت عن فكرة الحياة ضمن المدن الكبيرة، فهناك حتى المنازل التي نجدها تكون أسعار الايجار فيها خيالية تتجاوز “200 دولار” شهرياً، لاتمكن أخيراً وبعد بحث استمر ثلاثة أشهر من العثور على منزل صغير قرب قرية “تركمان بارح” عن طريق مكتب عقاري بسعر “80 دولار” عن كل شهر.
وعلى الرغم من عمله المستمر على مدار السنة في جني المحاصيل الموسمية، إلا أن “محمد الحسين” لم يخف حالة الضيق التي يعاني منها نتيجة قلة المردود المالي، فيقول: “نحاول خلق توازن بين ما نحصل عليه من عملنا أنا وزوجتي وبين ما يجب صرفه لتأمين مستلزمات الحياة الأساسية، لكن لا أحد يعلم مايمكن أن يكون عليه الوضع في حال تعرض أي من أفراد الأسرة للمرض”.
العمل الزراعي ليس مناسباً للجميع
قد يكون العمل في الزراعة وجني المحاصيل الموسمية مناسباً لبعض العائلات الصغيرة التي لايتجاوز عدد أفرادها الخمسة، كما هو الحال مع “محمد الحسين” وعائلته، أما بالنسبة إلى العوائل الكبيرة فيجد معيلوها أنفسهم أمام خيار البحث المضني عن فرص عمل أكثر استقراراً وأكبر مردوداً بغض النظر عن طبيعة هذه العمل.
الشاب “عيسى” مهجر من مدينة حلب رفقة عائلته المكونة من تسعة أفراد، قرر العمل “عتالاً” في معبر “باب السلامة الحدودي” مثل الكثير من النازحين لتأمين قوت عائلته التي تعيش بريف مدينة “جرابلس” في منزل استطاع شقيقه استئجاره.
يقول عيسى: نتقاسم أنا وأشقائي الثلاثة مصاريف العائلة، فأنا يتوجب علي تأمين مستلزمات العائلة من الطعام والشراب وغيرها من الإحتياجات، أما أشقائي فعليهم تقع مسؤولية دفع إيجار المنزل الذي وصل حالياً إلى “85 ألف ليرة سورية” بعد أن كان “65 ألف”.
ويضيف: مادفعني للعمل كحمال للبضائع ومواد البناء، هو قلة فرص العمل في مدينة جرابلس، فإخوتي يعملون في ورش الصرف الصحي أو في مجال البناء، وهي أعمال يدوية وجسدية تتطلب الكثير من الجهد دون وجود مردود مادي مناسب، حيث يتقاضى كل شخص على العمل طيلة اليوم في بناء الخيام أو حفر القنوات “600 ليرة” ورغم ذلك فهي ليست بالدائمة.
وبحسب احصائيات تابعة للمؤسسات المدنية والإنسانية فقد تجاوزت نسبة البطالة بين الشباب والرجال القادرين على العمل حاجز “70%” بريف حلب الشمالي والشرقي، لتبقى هذه النسبة دون تحسن ملحوظ، في انتظار تنفيذ الوعود التي أطلقتها العديد من المجالس المحلية حول سعيها بناء مدن صناعية قادرة على توفير فرص عمل للشباب.
وطن اف ام