اجتمع ممثلو إيران وروسيا وتركيا في سوتشي لمناقشة مصير إدلب. وعلى رغم أن تركيا لا تسعى إلى احتلال هذه الأراضي السورية إلى أجل غير مسمى، لا يرغب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في الانسحاب مجاناً من دون ثمن. والحق يقال إن شروط أنقرة للانسحاب، واضحة، ولكنها كذلك متناقضة وغير متجانسة. فهي من جهة، تريد الاحتفاظ بنفوذ في سورية ما بعد الحرب، وتؤيد، تالياً، منح مزيد من الحقوق والصلاحيات للسكان والمجتمع المدني المحلي. ولكنها، من جهة أخرى، لا تريد منح الأكراد السوريين مثل هذه الحقوق والسلطات.
وإلى اليوم، يتعذر النزول على المطالب التركية، في وقت بدأت اللجنة الدستورية للتو عملها. والسؤال هو من أين للجنة هذه استبعاد الأكراد من عملية اللامركزية وزيادة صلاحيات المجتمعات المحلية في مناطق أخرى. ولا يستسيغ الإيرانيون الإقرار بمناطق نفوذ للأتراك في الأراضي السورية. وأمام هذه المعضلات، يبدو أن المجتمعين في سوتشي، توصلوا إلى حل وسطي. واتفقت دمشق وطهران وموسكو على تأجيل الهجوم موقتاً على إدلب من إجل إفساح المحال أمام تذليل تركيا خطر الجماعات الإرهابية في المنطقة.
ولكن هذا الحل الوسطي، لن تقيض له حياة مديدة. فتركيا، إلى اليوم، أخفقت في معالجة المشكلة هذه. وتتحاور دمشق مع الأكراد وتبحث في سبل مصالحة تعدهم باللامركزية الإدارية. وإذا عارض الأتراك مثل هذه المصالحة، ووجد النظام السوري نفسه أمام خيارين: إما حل وسطي مع الأكراد وإما إرضاء أنقرة، يرجح أن تختار دمشق التقارب من الأكراد.
وما يسوغ الخيار هذا هو الوهن التركي. فتركيا بين القوات الأجنبية (الإيرانية والروسية) في سورية هي الحلقة الأضعف. وتوشك الحرب الأهلية على الانتهاء. ويرجح الاقتراب من طي فصول الحرب كفة إيران وروسيا، ويضعف كفة تركيا. ويساهم كذلك في إضعاف قبضة تركيا توتر العلاقات التركية – الأميركية وتراجع علاقة أردوغان بالغرب كله. وهذا التوتر يقوض نفوذ تركيا، ويعزل أنقرة عن محيطها «الأطلسي». وعليه، أردوغان مضطر إلى الحفاظ على الحلف مع موسكو وطهران وعدم تخريب العلاقات معهما.
وثمن انسحابه من التحالف معهما باهظ. ولذا، يُرجح، بعد تطهير الجيوب الصحراوية وحشد القوات في جوار إدلب، أن يشن الجيش العربي السوري في الخريف المقبل هجوماً على المحافظة الانفصالية، فتتنحى تركيا جانباً، وتقف موقف المتفرج، وتصدع بتنازلات ثانوية.
المصدر : الحياة