ليست هناك أي بارقة أمل تلوح في الأفق لوقف المجزرة الدموية الرهيبة في حلب، ففي كل يوم يمر يكبر الإصرار الروسي الإيراني على تحويل المدينة إلى مقبرة جماعية. وفي ثاني مدن سورية، يواجه قرابة ربع مليون مدني أعزل، وبضعة آلاف من المسلحين، أحدث ما في الترسانة الروسية من أسلحة نوعية، ذات قدرة تدميرية وكثافة نارية عالية، مخصّصة لحروب الجيوش الحديثة.
باتت المعادلة واضحة. يرفض الأهالي الاستسلام وإخلاء المدينة، وموسكو مصممة على ذلك. غير مكترثة، ولا تقيم اعتباراً لحياة قرابة 300 ألف مواطن، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وهي قرّرت أن تدفنهم تحت ركام منازلهم، وسط عالم صامت، وبلا ضمير، وأمم متحدة تخلت عن دورها في حماية المدنيين من الإبادة.
في الوقت الذي كانت الأمم المتحدة تحيي مناسبة اليوم العالمي للطفل، نقلت وكالات الأنباء صور الأطفال من حلب، تدفنهم تحت الأنقاض طائرات الموت الروسية.
في اليوم العالمي للطفل الذي تحييه الأمم المتحدة في 20 من نوفمبر/ تشرين الثاني، زار العاصمة السورية مندوب الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، لكي يلتقي وزير خارجية النظام، وليد المعلم، ونقلت وكالات الأنباء أن المبعوث الدولي ذهب ليطلب من النظام وضع حلب تحت إدارة ذاتية، لكن الحكومة السورية رفضت العرض “لأنه يعني مكافأة للإرهابيين”.
طلب دي ميستورا وردّ النظام يشكلان عينةً صريحة عن المستوى الذي بلغه نفاق الأمم المتحدة وهوانها، وما وصل إليه النظام من إجرامٍ منظمٍ مع سبق الإصرار. الأمم المتحدة التي وصفت، أكثر من مرة، أن ما يحدث في حلب يرقى إلى جرائم حرب، بقيت تتصرف مع نظام بشار الأسد على نحو ناعم، ولم تزعجه منذ بداية الثورة السورية، على الرغم من أنه ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لم يقم بها حاكم آخر، وبقيت تتعامل معه بمواصفات الدول ذات السيادة. ومع أنها تدرك أنه لم يعد له أي سلطة فعلية على القسم الأكبر من أراضي سورية، فهي تمتنع حتى الآن عن إدخال مساعدات إنسانية إلى حلب، لأنها لا تريد خرق القانون الدولي الذي يحتم عليها الحصول على إذن رسمي من النظام.
هذا أمر صحيح من الناحية الشكلية، ولكن الأمم المتحدة تعرف أن من يحكم الأرض والجو والبحر هما روسيا وإيران، وهما من يتوليان القسط الأكبر من حرب الإبادة، ومن واجب المنظمة الدولية ليس العمل فقط على وقف قتل شعب أعزل في بلده، بل اللجوء لكل السبل لوقف التدخليْن، الإيراني والروسي، في شؤون دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة. وفوق هذا وذاك، كان على الأمم المتحدة أن تتحلى بقدر قليل من الشجاعة الأخلاقية حيال وضع إنساني غير مسبوق، وتضع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا أمام مسؤولية كسر الفيتو الروسي الصيني الذي وفر مظلةً لجرائم النظام السوري ضد الشعب السوري، وإحالة الجرائم ضد المدنيين في سورية إلى مجلس الأمن، تمهيداً لرفعها إلى محكمة الجنايات الدولية. وفي وسع الأمم المتحدة العمل من خارج مجلس الأمن، كما حصل في السابق في حال كوسوفو والأكراد في العراق، وحيال جرائم كانت أقل من تلك التي تحصل في حلب، وباتت ترقى إلى حرب إبادة.
موقف الأمم المتحدة مخزٍ وعار على الإنسانية، بل هو يؤسّس لحالةٍ من الإحباط، بسبب انهيار منظومة القيم وعدم احترام حقوق الإنسان والقوانين الدولية والمواثيق التي اتفقت عليها البشرية بعد الحرب العالمية الثانية، ومثلما تم حل عصبة الأمم، بسبب فشلها في حماية السلم العالمي عشية الحرب الثانية، فإن الأمم المتحدة باتت مهدّدة بأن تواجه المصير ذاته، بسبب عدم التعامل مع المأساة السورية بمسؤولية.
المصدر : العربي الجديد