بعد يومين أو ثلاثة أيام أخرى ينتهي الانتظار. فعند فجر الأحد المقبل بتوقيت الشرق الأوسط مساء الأحد بتوقيت الغرب الأميركي، تعلن الأكاديمية الأميركية لفنون السينما عن الكيفية التي قرر بها الآلاف من أعضائها، توزيع جوائز الأوسكار لهذا العام. وعلى رغم أن عدداً من النجوم والسينمائيين السود الأميركيين وبضعة بيض تضامنوا معهم، أثاروا صخباً قبل أسابيع معلنين مقاطعة الحفل لأن ليس ثمة مرشحون سود في القوائم النهائية، لا ريب أن السينمائيين السود سيكونون حاضرين كالعادة صاخبين كالعادة ومصفقين.
ولا شك في أن التصفيق سيكون كالعادة كبيراً، والقفشات كبيرة والأناقة سائدة والابتسامات مدهشة، من دون ان يغيب، كالعادة أيضاً، «النق المعهود» عن مصير السينما ومصير البائسين ومصير كل شيء. كل شيء سيكون كما كان على الأرجح، وعشرات الملايين من متفرجي التلفزة سيتابعون الحفل وكل ما يحدث، على الشاشات الصغيرة التي لن تعدم مع هذا من «يشكو منها» ويطلق قفشاته في حقها. فالأوسكار هو هذا أيضاً…
نتاج عام مميّز
غير أن اللافت منذ الآن، يكمن في مكان أبعد قليلاً من كل هذا. يكمن في الاختيارات التي أُعلنت قبل أسابيع لأسماء الأفلام والفنانين والتقنيين الذين سيفوز «أفضلهم» بالأوسكارات. فالحال أننا إذا استثنينا فيلم «ماد ماكس: طريق الغضب» المرشح لجوائز عديدة أبرزها جائزتان هما أفضل فيلم وأفضل مخرج باعتباره عملاً تجارياً جماهيرياً من الصعب معرفة ما الذي جاء يفعله هنا في أوسكارات بدأت منذ سنوات تتوجه نحو سينما مغايرة تماماً، سنجد أن كل المرشحين الآخرين، مبدعين كانوا أو أفلاماً، ينتمون الى السينما الأكثر ذكاء والأكثر دنواً جدياً من المسائل الشائكة. وكأننا في شكل موارب أمام نوع من الانتصار لمهرجان سان دانس وروحيته، دون حضور سينماه المستقلة. ولنوضح: من «ذا بيغ شورت» لآدم ماكي، الذي يتناول حكاية الوضع الاقتصادي وأزمات المصارف ومودعيها في شكل سينمائي أخاذ، إلى «سبوتلايت» لتوم ماكارتي، الذي يتحدث عن صحيفة «بوسطن غلوب» وقد كشفت في بوسطن فضيحة اعتداءات قساوسة جنسياً على الفتيان من طلاب مدارسهم، مروراً بـ «جسر الجواسيس» لستيفن سبيلبرغ الذي يعود الى فصل من التاريخ الأميركي الحديث يتعلق بتبادل الجواسيس بين الأميركيين والسوفيات أيام الحرب الباردة، و «العائد» للمكسيكي اليخاندرو اينياريتو العائد الى الأوسكار للعام الثاني على التوالي، بعدما شارك العام الفائت بتحفته «بيردمان»، والمطل هذه المرة على فصل من التاريخ الأميركي القاسي والمشين في القرن التاسع عشر… نجدنا في كل هذه الأفلام أمام ما يشبه ان تكون السينما الأميركية تحاكم تاريخها. وتحديداً في سينما كبيرة عرفت أيضاً كيف تخترق الصالات محققة نجاحات مدهشة، وكيف تخترق المحرّمات محققة إمعاناً في الدور الاجتماعي النقدي القاسي للفن السابع.
هنا قد يقول قائل أن هذا الأمر نلحظه منذ سنوات أوسكارية عديدة. صحيح لكن هذا يتضافر هذه المرة مع فتح الباب أكثر وأكثر، أمام غير أميركيين يخوضون لعبة قاسية ضد الحلم الأميركي، كادت تكون في الماضي وقفاً على الأميركيين. فهم هذه المرة من كندا (فيلم «الغرفة» لليني آبراهامسون) ومن استراليا (جورج ميلر و «ماد ماكس») ومن انكلترا (ريدلي سكوت و «المريخي») والمكسيك (اينياريتو) ناهيك بأن فيلم «بروكلين» يعتبر فيلماً ايرلندياً أكثر منه أميركياً على الرغم من عنوانه ومن كون جزء كبير منه صوّر ويدور في نيويورك… ولئن كانت الأفلام المرشحة لأفضل فيلم ثمانية، فإن خمسة فقط من مخرجيها رشحوا لأفضل مخرج: آدم ماكي، جورج ميلر، اليخاندرو اينياريتو، ليني آبراهامسون، وتوم ماكارتي.
كبار لجوائز «صغيرة»
هي إذاً ثمانية أفلام لا شك في أن النقاد والمهرجانات سبقوا أهل الأوسكار في اكتشاف أهميتـــها وجدّتها السينمائية والفكرية، وكونها أفـــلاماً تقول ليس فقط أن السينما في خير بل هـــي أيضاً المساهم الرئيس في استشعار نبض العالم ومجتمعاته. وفي هذا الإطار، سيكون من العدل الإشارة الى أن أفلاماً أخرى رائعة كانت قد اكتشفت في المهرجانات بخاصة، طوال العام، عرفت طريقاً الى الترشيحات ولو ليس في خانة أفضل فيلم. فـ «كارول» تيد هاينس حاضر هنا من خلال ترشيح – وترجيح – بطلته كيت بلانشيت لأوسكار أفضل ممثلة، وكذلك حال «45 سنة» وبطلته شارلوت رامبلنغ في الفئة نفسها حيث على هاتين المخضرمتين الرائعتين أن تنافسا ثلاث صبايا لا يقلّنّ روعة عنهما: بري لارسون في «الغرفة» وجنيفر لورنس في «جوي» وسوارسي رونين الاستثنائية في «بروكلين».
بالنسبة الى زملائهن الممثلين، هناك خمسة ايضاً: ثلاثة منهم من بين الأكثر شهرة اليوم في هوليوود (مات ديمون «المريخي»، ومايكل فاسبندر «ستيف جوبز»، وطبعاً ليوناردو ديكابريو المتجاوز الجميع في «العائد») الى جانب براين كرانستون (فلتة الشوط في «ترامبو») وإيدي ردماين الذي أثار إعجاباً عاماً قلقاً لدوره في «الفتاة الدنماركية».
طبعاً ليست هذه كل الجوائز فهناك عدد كبير آخر منها، لعل ما يهمنا التوقف عنده هنا في شكل خاص هو حضور فيلمين عربيين أحدهما أردني هو «ذيب» لهاني ابو نوار، في فئة أفضل فيلم أجنبي، حيث ينافس أفلاماً من كولومبيا وتركيا (موستانغ) وهنغاريا -القوي والمثير للجدال «ابن شاوول» الذي يرجح أن ينال هو هذه الأوسكار-، و «الدنماركي «حرب». أما العربي الثاني فهو الفلسطيني «السلام عليك يا مريم» لباسيل خليل وإريك دوبون. ولنفتح هلالين هنا لنذكر أن عدداً من صالات الفلسطينَيْن – فلسطين الضفة، وفلسطين «48» – سيشهد منذ بعد غد عروضاً لهذين الفيلمين العربيين المؤسكرين… فإلى الصالات!
بقية ما تبقى من جوائز تتعلق بأفضل ممثل وممثلة في دور ثانوي – حيث لدينا كبيرات من أمثال جنيفر جاسون لي وروني مارا وريتشيل ماكآدمز وبخاصة كيت وينسليت-، كما لدينا كبار من كريستشن بال الى سيلفستر ستالون (!)، ومن مارك رافالو الى توم هاردي وصولاً الى مارك رايلنس ذي الحظ الأكبر بالفوز عن دوره المدهش في «جسر الجواسيس».
أسماء كل هؤلاء المبدعين كما أسماء هذه الأفلام وأسماء أعمال مميزة وأقل تمييزاً أخرى تتردد في اللوائح لبقية الجوائز، من أفضل سيناريو أصلي ومقتبس، الى أفضل موسيقى وتحريك وأعمال وثائقية وتصوير وتوليف وغيره… وبشيء من الاختصار لا بد أخيراً من أن نشير على سبيل المعلومات إلى أن العدد الأكبر من الترشيحات ذهب – كما هو متوقع على اية حال – الى «العائد» الذي يبدو لنا انه سينال ما لا يقل عن سبع جوائز، يليه «ماد ماكس» (10 ترشيحات) الذي سيقطف بعض الجوائز التقنية، ثم «المريخي» (سبعة ترشيحات)، فستة ترشيحات لكل من «جسر الجـواسيس» و«كارول» و«سبوتلايت»، ثم خمسة لكل من «بيغ شورت» و«حرب النجوم»، فأربعة لـ «الفتاة الدنماركية» و«الغرفة»، وثلاثة لكل من «بروكلين» و«الثمانية الكريهون» و«سيكاريو».
المصدر : الحياة