مع بداية ظهورها، قبل 3 سنوات اختلفت الروايات حول مدلول شارة “رابعة”، إلا أنه أصبح هناك الآن شبه اتفاق، على أن تلك الشارة أصبحت أيقونة عالمية للتعبير عن “رفض الانقلابات” على الأنظمة الديموقراطية.
“رابعة”، المشار إليها بأصابع اليد الأربعة (خنصر، بنصر، وسطى، سبابة)، ظهرت عقب سقوط مئات القتلى، لدى قيام قوات من الجيش والشرطة المصرية، بفض اعتصامين لأنصار محمد مرسي (أول رئيس مدني منتخب في البلاد)، في ميداني “رابعة العدوية” شرقي القاهرة و”نهضة مصر”، غرب العاصمة؛ في 14 أغسطس/آب 2013، وإن كان البعض يقول إنها ظهرت قبل ذلك بأيام ولكن داخل ذات الاعتصام.
وبعد ذلك، دأبت المظاهرات التي ينظمها مؤيدو مرسي في مصر وفي مختلف دول العالم، على رفع الشارة، لتصبح رمزاً، لـ”رفض الانقلاب، وللتضامن مع شرعية مرسي”.
وعلى مدار 3 سنوات استطاعت شارة “رابعة”، أن تنضم إلى الشارات الرمزية العالمية التي ابتكرتها توجهات إنسانية مختلفة في ظروف وأوقات متباينة، منذ بداية القرن الماضي (العشرين)، وأشهرها شارة “النصر” الشهيرة التي يُرمز لها بالحرف (V) باللاتينية، باستخدام إصبعي الوسطى والسبابة، وشارة “القبضة”، المعبرة عن القوة في مواجهة الأنظمة المستبدة.
وعند البحث في أصل التسمية لكلمة “رابعة”، تعددت الروايات بهذا الشأن، حيث نسب البعض التسمية إلى الإشارة لاستكمال مرسي ولايته الرئاسية المقررة بأربع سنوات(أكمل سنة واحدة قبل انقلاب الجيش عليه)، بينما أرجعها البعض إلى اسم الميدان الذي انطلقت منه الاعتصامات بعد الانقلاب، فضلاً عن وجود روايات أخرى تتحدث عن تفسير لكل إصبع من الأصابع الأربعة.
ومع ذلك تجلّت “عالمية” الشارة، في أكثر من مناسبة ومقام، كان أحدثها تلويح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بها في خطابه الجماهيري لمستقبليه من الشعب التركي، بمطار “أتاتورك” الدولي، بمدينة إسطنبول، في ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد منتصف يوليو/تموز الماضي.
ومن بعده، خرج الأتراك في الشوارع، تلبية لدعوته رافعين الشارة ذاتها، ليس تضامناً مع ضحايا رابعة العدوية في مصر وحسب، وإنما للتعبير عن رفضهم لمحاولة الانقلاب في بلادهم.
وفسر أردوغان، الشارة وفقاً للحالة التركية، معتبراً أن كل إصبع يشير إلى أحد الثوابت الوطنية وهي، “شعب واحد وعلم واحد، ووطن واحد، والدولة الواحدة”.
وشهدت العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، منتصف يوليو/تموز الماضي، محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر محدودة من الجيش، تتبع لمنظمة “فتح الله غولن” (الكيان الموازي) الإرهابية، حاولوا خلالها السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها الأمنية والإعلامية، إلا أن خروج الحشود الجماهيرية إلى الشوارع أحبط تلك المحاولة.
وبعيدا عن مصر وتركيا، ففي فبراير/شباط 2014، رفع عضو المجلس الرئاسي البوسني “بكر علي عزت بيجوفيتش” شارة “رابعة”، وفي نفس الشهر من العام، رفع المستشار السياسي للرئيس السنغالي “السيد علي الدين”، وذلك تضامنا مع أنصار “مرسي”.
وحتى خلال الهبة، التي تشهدها الأراضي الفلسطينية منذ أكتوبر/تشرين أول 2015، في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة، شوهد أطفال فلسطينيون يرفعون شارة “رابعة” في وجه الاحتلال، بحيث بدأت الشارة تسرد قصة الشعوب المناهضة لسلطات تتنكر لحقوقها.
ومن قبلها تحوّلت علامة “النصر” إلى أيقونة في مختلف الحراكات العالمية، والتي كان أول من رفعها، رئيس الوزراء البريطاني “ونستون تشرسل” خلال الحرب العالمية الثانية، وهي حرف (V) المأخوذ من كلمة (victory) وتعني النصر.
بيد أن أسطورة تتحدث عن أن العلامة استخدمها رماة في الجيش البريطاني، أثناء “حرب المائة عام”، تحديدًا في معركة “أجينكورت”، بعدما شرع جنود فرنسيون في قطع أصابع الرماة الإنجليز عند أسرهم بعد المعركة، وخرج الإنجليز من المعركة منتصرين وبدأوا يتباهون بأن أصابعهم لا تزال سليمة، ولم تقطع.
أمّا شارة “القبضة”، فظلّت تعبر هي الأخرى عن دلالة عالمية، تعني “القوة في مواجهه الأنظمة”، وتسمى بالإنجليزية “Cleand Fist”، والتي يشار إليها بقبضة اليد.
العلامة ظهرت عام 1917، من بعض العمال المكسيكيين، الذين كانوا يعانون اضطهادا واسعاً، ولاحقاً لاقت قبولاً واسعاً في بلد يستخدم الفن لدفع القضايا الاجتماعية والثورية، ثم أدرجت الشارة لدى فئات تعاني الاضطهاد، فظهرت في مصر كشعار لحركة “السادس من أبريل”(معارضة)، ومن بعدها شرقي أوكرانيا، إبان معارك خاضها الأوكرانيون مع الانفصاليين المدعومين من روسيا.
انضمت عقب ذلك إلى العلامات العالمية، شارات أخرى ذات دلالات اجتماعية خالصة أخذت بعداً عالمياً، مثل بسط أصابع اليد الخمسة في وجه شخص ما “لدرأ الحسد”، والتي انتشرت في العالم الإسلامي بشكل كبير.
وتعود أصول استخدام اليد كرمز، إلى أن معظم التمائم(تعليقات على مخطوطات لدرء الحسد) المصرية القديمة، تظهر على هيئة كف يد، تتوسطها عين مصنوعة من الصخر الأسود أو الحجارة الخضراء، وكانت تستخدم بهدف صد العين الحاسدة الشريرة.
وتمثل الشارات شكلاً من أشكال التواصل المرئي، التي تعبر عن رسائل ذات مغزى، سواء كانت باليد أو بالوجه أو بأجزاء أخرى من الجسد، لا سيما أنها تنقل معانٍ مختلفة بتنوع الثقافات والمجتمعات التي تستخدم تلك الشارات، بحسب باحثين مختصين بهذا المجال.
ورغم اختلاف معاني الشارات نسبياً من مكان للآخر، إلا أن بعضها أصبحت عابرة للحدود، ومثلت معانِ ضمنية، خرجت من محليتها إلى نطاق عالمي أوسع وأشمل، بل إنها تعد نوعاَ من أنواع الفنون في نقل قصة أو معاناة أو قضية.
المصدر : الأناضول