منوعات

جائزة نوبل في الحماقة العلمية يفوز بها عالم مصري

هل سمعت من قبل عن “جائزة نوبل للحماقة العلمية” التي تُمنح كل عام لأغبى الأبحاث العلمية، عديمة الفائدة والمضمون والفارغة من أدنى فائدة تُرجى، ولكنها مضحكة؟ الجائزة ليست نوبل الأصلية وإنما جائزة “الاكتشافات المضحكة”، وهي تعطى لمعظم المجالات التي تغطيها جوائز نوبل العادية، وهي 10 جوائز في مجالات: الطب وعلم النفس والفيزياء والاقتصاد والسلام والأحياء، والكيمياء، والاتصالات، والصحة العامة والهندسة.

ويحصل الفائزون الـ10 أيضاً على جوائز مضحكة (لا قيمة لها) عبارة عن منح كل فائز 100 تريليون دولار زيمبابوي، أي أقل من نصف دولار (الدولار الأميركي يعادل ما يزيد على 361 ألف دولار زيمبابوي).

لهذا كان من الطبيعي أن تذهب أول جائزة لهذا العام 2016، للعالم المصري الراحل أحمد شفيق عن الوقت الذي أمضاه في “دراسة تأثير ارتداء سراويل من البوليستر على الحياة الجنسية للفئران”، أو أن تذهب لتشارلز فوستر في علم الأحياء لأنه اخترع أرجلاً صناعية من أطراف الماعز تسير مثلها.

وقال مارك إبراهام، رئيس تحرير مجلة “الأبحاث غير المحتملة”، في تبريره إعطاء الجائزة للدكتور الراحل أحمد شفيق: “لم نسمع مطلقاً عن أي شخص آخر قضى وقتاً يدرس بعناية ما يحدث جنسياً للفئران إذا ألبستها سراويل”.

وليس شرطاً أن يكون العمل الحاصل على جائزة إيج نوبل حديثاً، وقال إبراهام، وهو أيضاً رئيس لجنة منح الجائزة في احتفال توزيع الجوائز بجامعة هارفارد في كامبردج بولاية ماساتشوستس الأميركية، لوكالة رويترز مساء الخميس 23 سبتمبر/أيلول 2016، إن “الجوائز تمنح لأشياء غير عادية جداً، كل الجوائز الأخرى تقريباً تمنح لأفضل أو أسوأ الأشياء، أما مسألة أفضل أو أسوأ فلا تعنينا”.

سراويل للفئران

وتبدو تجربة الدكتور شفيق مثيرة، ولذلك حصل العالم المصري الراحل أحمد شفيق على جائزة نوبل للحماقة العلمية في مجال التكاثر؛ لأنه قام بدراسة حول تأثير ارتداء سراويل من البوليستر على الحياة الجنسية للفئران.

“شفيق”، الذي توفي عام 2007، وكانت له أساليب في الجراحة سُجلت باسمه عالمياً وفي مراجع عالمية وتدرس لطلاب الجراحة باسمه أيضاً، كان قد أجرى بحثاً عام 1993 أثبت أن الفئران التي ترتدي سراويل مصنوعة من البوليستر أو البوليستر المخلوط بالقطن تكون أقل نشاطاً من الناحية الجنسية من تلك التي ترتدي سراويل من القطن أو الصوف أو التي لا ترتدي سراويل من أي نوع، كما هو الحال عادة بالنسبة للفئران.

ورغم أن الجائزة تعطى للحماقة في مثل هذه الاختراعات والأبحاث غير ذات القيمة فهي تعطي أيضاً لسبب آخر هو “التفكير” فيما اخترعه هؤلاء العلماء لاحقاً بعد الضحك والسخرية مما اخترعوه، فربما كان اختراع شفيق، الذي لم يكمله، يستهدف لاحقاً دراسة تأثير الملابس البوليستر على الصحة الإنجابية للبشر.

وحصل شفيق على العديد من الجوائز والأوسمة ورأس أقسام الجراحة في مستشفى القصر العيني بالقاهرة، واشتهر بأبحاثه عن مرض الروماتويد، وسبق أن كرّمه الرئيس الراحل أنور السادات، وحصل على وسام الدولة للعلوم والفنون سنة 1977، كما رُشح لجائزة نوبل عام 1981 لكنه لم يفز بها.

والعالم المصري الراحل كان رئيساً للأكاديمية العالمية لجراحي الجهاز الهضمي بالولايات المتحدة، وأنشأ العديد من العيادات في مختلف الأحياء الشعبية لعلاج الفقراء وغير القادرين، وكان متزوجاً من الدكتورة ألفت السباعي أستاذة ورئيسة أقسام الجراحة بجامعة المنوفية، ووالد كل من الدكتور علي شفيق والجراح إسماعيل شفيق.

وتحدث صديقه المقرب الدكتور محمد عبدالعال، مستشار الإعلام الطبي في إنكلترا، عقب وفاته عما سمّاه “إهمالاً جسيماً وجريمة” تسببت في وفاة الدكتور عقب إصابته بأزمة قلبية ونقله للمستشفى وإهماله.

ولم يتسن الاتصال بأسرة العالم المصري لمعرفة ردّها على هذه الجائزة، حيث لم يحضر أحد منهم حفل توزيع الجوائز .

أبحاث غريبة مضحكة

وذهبت جائزة الطب للعام الجاري 2016 للألماني كريستوف هيمخن وكارينا بالزر، وتوماس منت، وسيلك اندرس، وأندرياس شبرنغر، لاكتشافهم أنه “إذا كان لديك حكة في الجانب الأيسر من الجسم، فيمكنك تخفيف ذلك من خلال النظر إلى المرآة وحك الجانب الأيمن من جسمك (والعكس بالعكس)!.

وفاز بجائزة علم النفس فريق باحثين من بلجيكا، هولندا، ألمانيا، كندا، أميركا، قاموا بسؤال 1000 كذاب: “كيف تكذب غالباً؟”، وتحديد ما إذا كانوا يعتقدون أنهم مقتنعون بهذه الإجابات التي قالوها أم يكذبون أيضاً بشأنها؟

ومُنحت جائزة “إيج نوبل” في الأحياء هذا العام مناصفة بين الباحث بجامعة أوكسفورد “تشارلز فوستر” عن كتابه “العيش كحيوان بري”، حيث جرب العيش مثل حيوان “الغرير” في البرية، بما في ذلك حفر جحر للنوم فيه وأكل ديدان.

وشاركه في الجائزة مواطنه توماس ثويتس؛ لأنه صنع أطرافاً اصطناعية ليجرب العيش كالماعز في سويسرا!

ومنحت الجائزة في مجال “الإدراك” مناصفة لليابانيين أتسوكي هيجاشياما وكوهي أداتشي، عن بحث بشأن “كيف تبدو الأشياء مختلفة حين ينحني المرء وينظر لها من بين ساقيه”.

وحصلت شركة “فولكس فاجن” على جائزة مخزية عن ابتكار “جهاز مخادع” زوّدت به سياراتها لخفض انبعاثاتها من عادم الوقود أثناء اجتياز الاختبارات الحكومية في حين يتوقف عمله بعد ذلك!

إعادة البيضة المسلوقة نيئة

والعام الماضي 2015 فاز بالجائزة عالم أسترالي؛ لأنه أعاد البيضة المسلوقة نيئة باستخدام جهاز “الإسالة بالدوران”، حيث ابتكر عالم الكيمياء كولن راستون وفريقه من جامعة فليندرز في مدينة أديلايد الأسترالية الجهاز الذي يستطيع تفكيك البروتينات التي تكسب البيضة صلابة بعد سلقها.

فبالتأكيد كلنا يمكن أن يحول البيضة من نيئة وسائلة الى جامدة بعد سلقها بالماء السخن، ولكن هل هناك أحد يمكنه أن يعيدها مثل الحواة نيئة مرة أخرى؟

هنا جاء دور جهاز “راستون” بإذابة البروتينات المندمجة داخل البيضة المسلوقة عن طريق وضعها داخل أنبوب دوار بحيث يمكن إعادتها مرة أخرى إلى صورتها الأصلية سائلة.

وأعطيت الجائزة أيضاً العام الماضي في الاقتصاد لشرطة بانكوك (تايلاند) لأنها عرضت على ضباط الشرطة الحصول على مبالغ مالية إضافية مقابل رفضهم أخذ الرشاوى، ولكن لم يحضر أحد عنهم لتسلم الجائزة.

وفي أعوام سابقة ذهبت الجائزة الأولى لبحث يدرس تأثير طعم اللّبان “العلكة” على أمواج المخ، وذهبت جائزة أخرى إلى عالمين نرويجيين لدراسة قدماها عن تأثير الثوم والبيرة والقشدة الحامضة على شهيّة الديدان الطفيلية.

كما ذهبت الجائزة في الطب لبحث يدرس تأثير صوت المصعد على الجهاز المناعي للإنسان، وفي علم الأرصاد الجوية، منحت الجائزة الأولى لبحث يدعو لاعتماد صوت الدجاج كمقياس لسرعة الإعصار!

ومنحت جوائز في عام 2000 في علم الكمبيوتر والاتصال لـ”كريس نيسواندر أريزونا”؛ لاختراعه برنامج PawSense الذي يكتشف “متى مشى القطّ على لوحة مفاتيح الكومبيوتر”؟!

قصة الجائزة

منذ سنة 1991 ولتقدير اكتشافات وبحوث علمية التي تحمل طابعاً فكاهياً، والتي لا يعيرها أحد اهتماماً، قامت المجلة العلمية الفكاهية “حوليات البحث غير المرجح” بتأسيس جائزة علمية فكاهية كل سنة أطلقت عليها Ig Noble وقامت بتخصيصها لتقدير البحوث والاختراعات التي لا تهتم بها جوائز نوبل الأصلية رفيعة المستوى، لكن هذه الجائزة تجعل الناس يسخرون في البداية قبل أن يفكروا جيداً.

وجائزة نوبل للحماقة العلمية، التي تعرف أيضاً باسم “إيج نوبل” أو “جائزة نوبل للجهلاء”، تمنح كل عام للأبحاث العلمية عديمة المضمون والفارغة من أدنى فائدة لـ10 فقط من المترشحين لها، الذين غالبًا ما يقومون بترشيح أنفسهم، أو يُعرض عليهم نيل الجائزة ويوافقون.

وكان الحفل السنوي لتوزيع إيج نوبل يعقد في منتصف سبتمبر/أيلول من كل عام، في قاعة محاضرات بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ولكن نُقل حالياً ليكون في مسرح ساندرز بجامعة هارفارد، ويقوم بتقديم الجوائز مجموعة من العلماء الذي نالوا جائزة نوبل الأصلية.

ولكي يحصل أحدهم على تلك الجائزة كان لابد أن يحقق بحثه أو فكرته شرطًا واحدًا بسيطًا، وهو أن يقوم بإنجاز شيء يجعل الناس يضحكون أولًا، ثم يجعلهم يفكّرون. وفي السنوات الأولى من تقديم الجائزة كان تقديمها تحت شعار “الإنجازات التي لا يمكن ولا يجب أن يُعاد تقديمها ثانية”.

حفل مسخرة

ويتألف الحفل من مجموعة من الفقرات المضحكة والساخرة، مثلها مثل الجائزة وقيمتها المالية الساخرة أيضاً، حيث تعوّد جمهور الحفل على صناعة وإلقاء طائرات ورقية على الفائزين الواقفين على المسرح، وينتهي الحفل دائمًا بجملة “إذا لم تفز بالجائزة، وحتى لو فزت بها فحظ أوفر العام القادم”.

ويسجل الحفل ليذاع في الراديو العام الوطني في يوم الجمعة التالي لعيد الشكر الأميركي من خلال البرنامج الإذاعي “علوم الجمعة”، كما يمكن مشاهدة الحفل مباشرة عبر الإنترنت.

ليست فقط للسخرية ولكن للتفكير

ودفاعًا عن تلك الجائزة، وفي مقال نُشر سبتمبر 2009 بصحيفة The National الإماراتية بعنوان “جانب من نوبل في الإيج نوبل”، كتب الصحفي روبرت ماثيوس يرد على الانتقادات التي وُجهت لتلك الجائزة، مؤكداً أن تلك الأبحاث التي قد تكون عديمة الفائدة ومثيرة للضحك “يمكن أن تفجر أفكاراً بحثية جديدة أو حل مشكلات بحثية موجودة بالفعل”.

وضرب مثالاً بما حدث عام 2006 عندما كشف أحد الأبحاث الحاصلة على “إيج نوبل” في الأحياء أن أحد أنواع البعوض الناقل للملاريا، ويسمى “أنوفيليس جامبي”، ينجذب بشكل متساوٍ لرائحة جبنة اليمبرجر ورائحة قدم الإنسان!

ورغم السخرية من هذا البحث فإنه بالفعل تم استخدام هذا النوع من الجبن لنصب أفخاخ في أماكن استراتيجية في بعض المناطق في إفريقيا لاصطياد هذا النوع من البعوض ومحاربة وباء الملاريا.

وفي عام 2010، حصل السير أندريه جيم على جائزة إيج نوبل ليصبح أول شخص حاصل على كل من نوبل الأصلية في الفيزياء وإيج نوبل، وكان جيم قد حصل على نوبل الأصلية في الفيزياء مناصفة جراء أبحاثه على الجرافين.

وقبلها كان قد حصل على “إيج نوبل” الفردية عام 2000 لاستخدام الخصائص المغناطيسية لتدرج الماء لجعل ضفدعة صغيرة تحلق في الهواء بواسطة عدد من المغناطيسات.

ويقول البروفسير أبراهام إنّ “إيج نوبيل” تمنح لعدة أسباب منها: أن الكثير من الناس يعتقدون أنهم يجب أن يتم تكريمهم لعمل شيء ما، ويحاولون لفت الأنظار بأبحاث تأخذ شكلاً علميًّا ولكنها بلا مضمون وبلا فائدة، وهذه الجائزة لتلقن مثل هؤلاء درسًا لتوخي الحذر في تخطيط وتنفيذ وعرض أبحاثهم العلمية والبعد كل البعد عما هو غث ورديء.

وأضاف: أنها طريقة سرّيّة جدًّا لإغواء الناس بالتفكير والتدبر في دور وأهمية العلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى