ما كان لأحد أن يتخيل أن يصبح الكرملين اسمٌ يتردد في الإعلام الأميركي والأوروبي، أو أن تأخذ الوفود السياسية من المنطقة العربية في زيارته، أو اصطحاب الهدايا للشخصية الأولى فيه.
فما معنى هذا الاسم؟ وما هو تاريخه؟ ومن سبب إعادة إحياء ذكره؟
الكِرِمْلين اسم يطلق على نوع من المباني المحصنة في عدد من المدن في روسيا. والاسم مشتق من اللفظة الروسية “كرِمل” وتعني قلعة. ومن أشهر مباني الكرملين، كرملين موسكو. وهو مبنى مثلث الشكل تمتد أطرافه نحو كيلو مترين ونصف الكيلومتر وقد بُني أول كرملين في هذا الموقع عام 1156م. ويرجع عُمر أسوار الكرملين الحالي إلى أواخر القرن الخامس عشر حينما أصبحت موسكو عاصمة روسيا لأول مرة بعد مدينة سانت بطرسبرغ.
يكشف الكرملين من الخارج عن مشاهد تشدُّ الانتباه. ومن مشاهده تلك قبابه الذهبية العديدة، وبواباته المبنية على شكل أبراج مدرجة، والتباين الملحوظ بين السور المحيط بالمبنى والذي يبعث على الرهبة وبين ما تتسم به المباني وراء السور من فخامة وغموض. وتعطي الأشكال المعمارية المتنوعة للكرملين وديكوراته الوفيرة انطباعاً بالقوة.
يقع كرملين موسكو فوق تلة “بوروفيتسكي” على الضفة اليسرى من نهر موسكو، حيث ظهرت التحصينات الأولى المحاطة بخندق ومتاريس ترابية في هذا الموقع عام 1156. وفي عام 1238 أثناء غزو المغول-التتار تم هدم الكرملين، لكن وفي عام 1339 تم إعادة بنائه، مع العلم أن الجدران والأبراج القائمة حالياً تم بناؤها في الفترة ما بين 1485-1516.
وكانت أول مستعمرة في هذا الموقع عبارة عن قلعة خشبية بناها مؤسس موسكو “يوري دولغوروكي” في 1147، ولكن لم يطلق على المبنى نفسه كلمة كرملين حتى العام 1331.
وفي كتاب بيديكير عن روسيا وطهران، وبورت أرثر، وبكين (1914)، وُصف الكرملين بأنه “في مركز المدينة، على هضبة ارتفاعها 130 قدم أعلى موسكو، وهي التي تسيطر على موسكو بالكامل، يقع الكرملين في المكان الذي تتحد فيه كل ذكريات تاريخ موسكو. وفي نظر الروسيين، يُعدّ الكرملين من البقاع المقدسة. ففي الكرملين تحصل قوة القياصرة على مباركة الكنيسة أولاً. …من الأقوال المأثورة “لا شيء أعلى من موسكو إلا الكرملين، ولا شيء أعلى من الكرملين إلا السماء”.
أسس الأمير يوري دولغوروكي عام 1156 حصن موسكو. وتحول كرملين موسكو في عهد الأمير إيفان كاليتا من قلعة عادية إلى مقر للأمراء المعظمين والمطران. وأنشئت في أعلى موقع لتل بوروفيتسكي عامي 1326-1327 كاتدرائية “اوسبينسكي” باعتبارها كنيسة رئيسة للإمارة وغيرها من الكاتدرائيات والكنائس، بما فيها كاتدرائية “ارخانجلسكي” (رئيس الملائكة ميكائيل) التي دفن فيها الأمير إيفان كاليتا وأحفاده. وحددت هذه الكاتدرائيات المبنية من الحجارة البيضاء وسط الكرملين، ولم تتغير سماتها الأساسية لحد الآن.
ويضم الكرملين عدة قصور فاخرة كانت قديما ملكا للقيصر ورجاله قبل أن تتحول إلی متاحف.
وكان القيصر الروسي إيفان الثالث (1440-1505) قد أمر في القرن الخامس عشر باستدعاء مهندسين معماريين من روسيا وإيطاليا لتجديد الكرملين. وتم على أساس الجمع بين تقاليد فن العمارة الروسي والهندسة المعمارية الإيطالية في عصر النهضة بناء ميدان الكاتدرائيات. وبدأت تظهر بعد ذلك في الكرملين مبان وكنائس وقصور جديدة. وحولت السلطات بعد ثورة أكتوبر 1917 الكرملين إلى مقر لأجهزة الحكم العليا.
وفي أوائل القرن العشرين أغلق الشيوعيون أبواب الكرملين أمام عامة الناس وجعلوه المركز الرئيسي لحكوماتهم. وأعيد فتح أجزاء من الكرملين واستخدمت متحفاً قومياً عام 1955م. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991م، أصبح الكرملين مقراً للحكومة الروسية. وتضم كنوز الكرملين لوحات ومجوهرات وتيجان كان يستخدمها القياصرة.
وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 ألقى ميخائيل غورباتشوف خطابه الأخير وسلم رئاسة روسيا إلى الرئيس بوريس يلتسن، وغادر مبنى الكرملين تحت جنح الظلام، ثم تم إنزال علم الاتحاد السوفيتي الأحمر عن مبنى الكرملين للمرة الأخيرة في التاريخ ورُفع محله علم روسيا ثلاثي الألوان.
وخمد ذكر الكرملين بشكل جيد بعد ذلك؛ ولكن مع تسلم فلاديمير بوتين الحكم والذي كان ضابطاً في مخابرات السوفييت أعيد ذكر الكرملين في نشرات الأخبار بشكل يومي للتوسع الذي أحدثه من خلال احتلال شبه جزيرة القرم الأوكرانية والتدخل العسكري في سوريا.
ليكون الكرملين هو مقر الرئيس الروسي والعديد من المعالم التاريخية المسيحية التي تحيط فيه.
إعداد وتحرير : أمير الحمصي ؛ ناصر القادري
المصدر : وطن اف ام