متحف من نوع خاص، يتربع في قلب قرية “الجاهلية” اللبنانية، أسسه أحد شباب البلد، فيه أقبية يعود تاريخ بنائها للعهد العثماني، في رسالة ثقافية عنوانها الحفاظ على التراث القروي، الذي بدأ يندثر بمرور الأيام.
غاندي أبو دياب، فنان لبناني من الجاهلية الواقعة في منطقة الشوف، بمحافظة جبل لبنان، يعمل منذ 25 عاماً، على جمع كل ما له علاقة بالتراث اللبناني عامة، والدرزي خاصة، في متحف “كهف الفنون”.
زائرو أقبية المتحف الثلاثة، يعودون بأنفسهم إلى التاريخ العثماني قبل 400 سنة، وفن العمارة في ذلك العهد، لتبدأ الرحلة الزمنية مع الفلاح والبيت اللبناني القروي العتيق، وصولاً إلى التاريخ الحاضر الذي يفتقد أهله لكل ما هو صامد بين زوايا الأقبية.
مقتنيات تراثية خاصة بأهل القرية، وفسيفساء وجدران من اللبن، وأسقف من الوزال والبسط القديم، إضافة للوحات زيتية تحكي قصة الأيام الخوالي، بريشة أبو دياب، وغيرها كثير مما يُذكّر بالتاريخ الجميل، يجدها المتجول في أركان الأقبية، التي تحولت إلى معلم سياحي تراثي هام في لبنان.
“المحدلة” (آلة لتسوية سطح المنزل) تتجاور مع مطحنة البن القديمة، على بسط (نوع من الفرش) من الصوف تفوح منه رائحة التاريخ الغابر، وجرن الكبة الحجري (يشبه مهبال البن) يجلس منتظراً علّ صوت الحياة يعود للمذياع القديم، وماكينة الخياطة العتيقة، و”بوابير” الكاز، والطناجر، والجرار الفخارية تترحم هنا على سيدات القرية.
أما أدوات الحراثة والحصاد من مناجل، وبلطات، ومحارث خشبية، تعود لعشرات السنين، معلقة على الجدران، مفتقدة ذاك الفلاح بحياته، وطيبته، وجهده، وعشقه لأرضه.
أبو دياب الذي تحدث للأناضول، عن فكرة إنشاء المتحف ومراحل تأسيسه، قائل “الفكرة ولدت لدي، كون كل الأدوات التراثية المعروضة حالياً، بدأنا نفقدها فعلاً، بعد أن كانت تستخدم من قبل الجيل أو الجيلين الماضيين، فأنا أحاول الحفاظ على الأدوات المهددة بالاندثار من حياتنا، وأن نثبتها في ذاكرتنا”. مضيفاً “نعمل على ربط الجيل الجديد بالجيل القديم، من خلال كهف الفنون الذي يستنبط الماضي ويظهره بشكل لائق”.
وأشار إلى أن المتحف، عبارة عن 3 أقبية يعود تاريخ بنائها لأكثر من 400 عام في العهد العثماني، تضم حالياً مقتنيات التراث اللبناني القروي عامة، والدرزي خاصة.
وأوضح أن الأقبية “كانت تستخدم في العهد العثماني، كغرف للاجتماعات السرية، وتحولت مع الحرب الأهلية اللبنانية ( 1975 – 1990) إلى ملاجئ يختبئ فيها أهالي القرية من القصف، وبعد انتهاء الحرب، بدأتُ مباشرة بالعمل على تحويل هذه الأقبية إلى متحف ثقافي تراثي سياحي”.
والأقبية ثلاثة أقسام، الأول يضم لوحات وأدوات خاصة بالتراث الدرزي، والثاني خاص بأدوات الفلاحة والحراثة وأساس المنازل العتيقة، أما الثالث والذي يحمل اسم “بيت ستي”، يحتوي مفروشات منزلية عربية تراثية قديمة، كما يوجد جناح خاصة للفسيفساء على الطريقة البيزنطية.
ويَلقى “كهف الفنون”، وفق أبو دياب، احتضاناً واسعاً من أهالي القرية، وكثير من اللبنانيين من مختلف المناطق، وهو حالياً يعتبر مقصداً هاماً للسياح العرب والأجانب، إضافة لطلاب المدارس والجامعات في لبنان.
وعن العقبات التي واجهها تأسيس المتحف ومازالت حتى اليوم، يقول أبو دياب، إن الدولة اللبنانية “مقصرة في مكان ما تجاه الفنانين والمبدعين، ربما بسبب الأوضاع السياسية المعقدة”، غير أنه أشار إلى وجود “شبه مساعدات من وزارة الثقافة لكهف الفنون، ولكنها تبقى مساعدات ضئيلة”.
وفي هذا الصدد، دعا الوزارات اللبنانية المعنية بالتراث والثقافة والسياحة، والمنظمات العربية والعالمية إلى “مزيد من الاهتمام بمثل هذه المواقع التراثية القيمة ودعمها”.
{gallery}news/2015/7/25/33{/gallery}
المصدر : الأناضول