في العمق

اللجنة الدستورية: أثرها وفُرصُ نجاحها

بحثت حلقة اليوم من برنامج “في العمق” مسألة اللجنة الدستورية، التي يتم الإعداد لها حالياً، برعاية المبعوث الأممي الى سورية ستيفان دي ميستورا، والتي من المُقرر لها، أن تضم شخصياتٍ ثلثها من نظام الأسد، والثلث الآخر من المعارضة، ومثلهم من المستقلين، حيث من المفروض في حال تشكلت هذه اللجنة، أن يبحث أعضاؤها في مسألة كتابة دستورٍ جديدٍ للبلاد، أو تعديل الدستور القائم، المعمول به في سوريا منذ سنة 2012.

وقد سَلَمَ نظام الأسد قبل أيام لروسيا وايران، أسماء خمسين شخصية تمثله في اللجنة الدستورية، التي يعكف المبعوث الأممي الى سورية ستيفان دي ميستورا على تشكيلها تنفيذاً لمخرجات مؤتمر سوتشي، الذي استضافته روسيا يوم الثلاثين من يناير/كانون الثاني الماضي.

وأعلن نظام الأسد أنه سلم أسماء الشخصيات التي ستمثله في اللجنة الدستورية لكل من ايران وروسيا، على اعتبار أنهما ضامنين في مسار آستانة. في حين قال السفير الروسي في نيويورك فاسيلي نيبينزيا السبت الماضي، إن أسماء الشخصيات التي ستمثل المعارضة السورية وتحديداً “الهيئة العليا للمفاوضات”، من الواجب أن تُسلمها المعارضة لتركيا خلال الأيام القليلة القادمة.

وقد حاولت حلقة اليوم، الإجابة عن مختلف التساؤلات التي تحيط بموضوع هذه اللجنة الدستورية، ووظيفتها وآثارها القانونية، وما إذا كانت ستنجح المساعي بتشكيلها، وما إذا كان طرحها، قد راعى خصوصية الوضع في سورية، وعن إمكانية أن تُسهم في التأسيس لبداية حلٍ سياسيٍ مُستدام.

ورأى الحقوقي أنور البني وهو مدير “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية”، خلال حديثه لـ”وطن اف ام”، إن “إضاعة الوقت تحتاج دائماً لمادةٍ تُلهي الجمهور.. الآن استنفذت الأطراف كلها جميع المواد التي يُمكن التلاعب بها، فلا موضوع المعتقلين قد أُنجِزَ بِه شيئ، ولا موضوع المفاوضات السياسية أُنجِزَ به شيئ، ولا موضوع مستقبل سورية أو غيره. والآن جاء دور مادة جديدة لإضاعة الوقت، وقد بدأ التركز على اللجنة الدستورية حالياً، وكأن مشكلة سورية هي مشكلة دستور أو تعديل دستوري هنا أو هناك”.

وقال البني، بأن “من أهم المشاكل في سورية(سابقاً) قبل الثورة كانت مشكلة الدستور والصلاحيات (الخارقة) لرئيس الجمهورية، ولكن الآن بعد الثورة وبعد كل هذه الجرائم وبعد تدمير نصف سورية وبعد دخول أكثر من أربعين دولة عسكرياً في سورية فإن موضوع الدستور لم يعد أولوية” وفق قوله.

واعتبر مدير “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية” خلال حديثه لبرنامج “في العمق”، بأن الحديث عن مسألة اللجنة الدستورية “تضييع للوقت”، إذ “لا يُمكن بأي حال من الأحوال، أن يصل الأطراف الذين سيجلسوا على الطاولة، إلى اتفاق على دستور جديد مالم يكن نسخة طبق الأصل عن دستور الـ2012، أو تعديلات بسيطة لا تتناول كل العيوب الجوهرية التي فيه، و هذا أولاً.. ثانياً، حتى لو تم الضغط على كل الأطراف لإنجاز الدستور، فمن الذي سيعطيه الشرعية؟. الجواب: سُيعطى(الدستور) لبشار الأسد كي يَطرحهُ على الإستفتاء، وسيُستَفتَى عليه من يريدهم (النظام)، وبالشكلِ الذي يريده(النظام) وسيصل الى النتيجة التي يريدها. وإذا كان لا يوافق عليه النظام، سَيُرفضْ، وبالتالي سنعود الى نقطة الصفر”، معتبراً أنه “لا توجد أي رغبة أو قدرة أو إمكانية لدى أي دولة، لفرض حلولٍ أو إجبار النظام على الرضوخ، خاصة أن النظام يشعر بأن الانتصار العسكري بات قريباً”.

واعتبر الحقوقي السوري، بأن “الحديث عن الدستور الآن، سَيَمنحُ شرعيةً لنظام الأسد، عندما يُطرح مشروع دستور، وتقبل المعارضة أن يَطرحَ النظام هذا المشروع، و بالتالي “(ضمنياً) سَتعترف المعارضة بشرعية النظام”، مضيفاً بأن “الهدف واضح من كل هذا المشروع(مشروع اللجنة الدستورية)، وهو الالتفاف على قضية المرحلة الانتقالية، وإعطاء النظام الشرعية الفاقد لها”.

وتم خلال حلقة هذا اليوم من برنامج “في العمق” بث استطلاع للرأي، إذ سأل مراسلو “وطن اف ام” عدداً من السوريين في سورية وخارجها، عن مدى معرفتهم بوظيفة اللجنة الدستورية التي يُشكلها المبعوث الأممي لسورية ستيفان دي ميستورا؟. وهل سَتُشكل بداية حقيقية للحل السياسي في سورية؟ أم أنها بالمُحصلة لن تؤدي لحل حقيقي على إعتبار أن الميزان العسكري على الأرض رَجَحَ لصالح نظام الأسد؟.

وجائت وجهات النظر في الاستطلاع متباينة، مع رجحان وجهة النظر التي تقول بأن اللجنة الدستورية، وما اذا نجحت أم لا، بوضع دستور جديد أو تعديل الدستوري الحالي، تخدم مصلحة النظام أكثر من أي طرفٍ آخر، فيما رأى آخرون، أن انجاز الدستور، قد يُمهد لحلٍ حقيقي في سورية.

وبعد الاستطلاع، تم استئناف الحوار مع الحقوقي السوري أنور البني، الذي قال بأن الوضع في سورية حالياً، مع وجود ملايين النازحين والمُهجرين، ليس وضعاً طبيعياً من الممكن أن يُعرض فيه مشروع دستور على الاستفتاء، معتبراً أن تجاوب نظام الأسد مع مسألة اللجنة الدستورية، جاء بعد الضغط عليه، ولكن الأخير “يهدف لتقطيع الوقت لاستكمال العمليات العسكرية ضد المعارضة”، وأن “النظام لن يوافق أبداً على إقرار أي دستور لا يناسبه”.

وقال البني خلال الحوار، أنه لو كان هناك فعلاً إرادة دولية لإرساء حل مُستدام في سورية لَطرحَ (أو فَرَضَ) المجتمع الدولي، أو مجموعة الدول الفاعلة في سورية فكرة “إعلان دستوري مؤقت” يؤسس لمرحلة انتقالية، قائلاً إن هناك “فرق كبير بين الدستور(الذي من المُقرر أن تعده اللجنة الدستورية) وبين الإعلان الدستوري المؤقت، فالدستور يؤسس لمرحلة قادمة طويلة، أما الإعلان الدستوري يؤسس لمرحلة مؤقتة، ريثما يصبح الشعب قادراً على انجاز رؤية لمستقبل بلاده.. وبالتالي الحديث عن لجنة دستورية الآن خارج سورية هو الحديث عن من يريد أن يُخططَ لمستقبل سورية لسنوات طويلة قادمة، لكن الشعب السوري(بمعظمه) غير قادر على الإستفتاء على أي دستور(حالياً)”.

وخَلصَ الحقوقي السوري إلى القول، بأن “ما يجري تضييع وقت”، فـ”من الناحية القانونية أي دستور يجب عرضه على الإستفتاء حتى يقبل به الشعب قبل أن يصبح نافذاً، لكن وفي سورية من الناحية العملية أين سيجري الإستفتاء؟ ومن سيُجريه؟ وتحت أي سلطة؟ ومن هي السلطة التي ستتولى فرز الأصوات وإقرار النتائج؟. كل هذا سيجري تحت سلطة طرف واحد(يقصد النظام)، ولا بد من وجود طرف يُجري الإستفتاء”.

وختم البني حديثه، بأن “الدستور من المفروض أنه لا ينظر إلى مصلحة أطراف بعينها، فمستقبل البلاد و كتابة الدستور يجب أن يقرره الشعب السوري برمتهـ ولا يُصاغوا على قياس طرف سياسي إن كان نظام او معارضة، وبالتالي من الواجب ان يتم وضع الدستور من قبل لجنة دستورية مختصة قانونياً، لا تنتمي لتيارت سياسية، وهذا هو الشكل الأمثل لوضع الدساتير ومستقبل الشعوب”.

ويُمكنكم الاستماع إلى الحلقة كاملة، عبر الضغط على الرابط أدناه.

وطن اف ام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى