إبراهيم الزبيدي – الباكون على السيادة السورية

يمكن أن نتفهّم وأن نعذر أربعة غضبوا جدا وبسرعة على الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسبب ضربه قاعدة الشعيرات بصواريخ توماهوك، فلاديمير بوتين وبشار الأسد ونوري المالكي وحسن نصرالله.

ولكن الذي يصعب على الفهم ذلك الغضب الشديد الساخن والبكاء الحار على السيادة السورية الذي انخرط فيه كتابٌ ومحللون وسياسيون عرب قوميون ويساريون وشيوعيون معاصرون وسابقون وإسلاميون تجمعهم معا جبهة أنصار المقاومة والصمود ورفض العدوان الأجنبي الاستعماري الاستكباري على قلب العروبة النابض، حتى أن بعضهم تنادى إلى التحرك الفوري للرد والانتقام من ترامب، بمهاجمة أهداف وقواعد ومصالح أميركية في الدول العربية والعالم.

وقد اشتركوا جميعا، الغاضبون الأربعة، بوتين وبشار ونوري ونصرالله، وجوقة الكتاب والمحللين والسياسيين المقاومين في تبرير غضبهم بثلاثة أعذار. الأول كون الضربة تمثل اعتداء صارخا على دولة ذات سيادة، والثاني عدم احترام ترامب للقانون الدولي، والثالث عدم إجراء تحقيق دولي دقيق للتأكد من الجهة التي قامت بالفعل باستخدام السلاح الكيمياوي.

والملاحظ أن جميع أعضاء هذه الجوقة، كما يعرف السوريون والعرب والعجم والهند والسند ومجلس الأمن ومفوضية حقوق الإنسان الدولية، مناضلون عريقون وذوو تاريخ طويل وعريض، بالأفعال لا بالأقوال، في الاحترام الصارم لأحكام القانون الدولي وعدم التعدي على سيادة الدول المستقلة ذات السيادة، وفي نضالهم من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان.

ولأن السيادة الوطنية السورية مازالت بكرا لم يمسسها إنس ولا جان، فقد كانوا أكثر الناس شجبا لاعتداء ترامب، غير المبرر، على دولة لم تسمح لأي دولة أجنبية أو طائفة أو حزب أو ميليشيا بأن تمس سيادتها وكرامة شعبها بسوء.

فالذي يحمي حدود سوريا الأسد، مثلا، ويحافظ على سيادتها الوطنية هو شعبُها قبل جيشها. فهي دولة مستقلة حتى العظم ومسالمة ومنشغلة فقط برفاه أهلها وإعمار مدنهم وقراهم. سجونُها فنادق خمس نجوم. تنفق مواردها بلا حساب ولا كتاب على إنشاء المدارس والمعاهد والمراكز الثقافية والاجتماعية التي لا تهتم إلا بتعميق ثقافة التسامح والسلام ونبذ العنف والتعصب الطائفي والقومي والحزبي، وبناء الإنسان.

وكأن صواريخ توماهوك الأميركية كانت أول زائر من زوار الفجر لسوريا الأسد، وكأن جيوش بوتين الجرارة وخمسة آلاف من الحرس الثوري الإيراني وكتائب عصائب أهل الحق وفيلق بدر وحزب الله اللبناني وألوية أبوالفضل العباس وكتائب سيد الشهداء وذو الفقار وفرقة فاطميون وفرقة زينبيون وفيلق ولي الأمر المكلف أساسا بحماية المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي وقادة النظام الإيراني، موجودة في سوريا سياحة إنسانية خالصة لرعاية الأيتام والأرامل والمحتاجين وذوي السبيل والمؤلفة قلوبهم، فقط لا غير.

والأغرب من الغريب أن أدعياء المقاومة الذين يتباكون اليوم على بشار الأسد وعلى شرعيته ويتداعون إلى النفير العام للدفاع عن كرامة الأمة ضد اعتداءات أميركا “الترامبية” وأنصارها ومؤيديها من الإمبرياليين والصهاينة والرجعيين، هم من تآمروا مع أميركا “البوشية” وأعانوها على غزو العراق وسهلوا احتلالها، وقطفوا ثماره ومازالوا يرفلون ببركاتها وفضائلها إلى اليوم ولا يستحون.

وهم أيضا من بارك أميركا “الأوبامية” واعتبر تطنيشها عما يفعل الظالمون والمختلسون العراقيون والإيرانيون والسوريون واللبنانيون والحوثيون والبحارنة المعارضون، عملا من أعمال الخير والعدل والسلام وخدمة لا تقدر بثمن لدولة الإمام المنتظر.

كتب أحد الشيوعيين السابقين الطائفيين (المالكيين) الأشداء حاليا في صحيفة الأخبار العراقية يقول “أما الإدعاء بأن الأسد استخدم غاز الأعصاب ضد المدنيين وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وأن ترامب (العاطفي جدا) تألم كثيرا على مشهد صورة الطفل الرضيع وهو يموت بسبب الغازات السامة، فهذه لعبة معروفة لا تنطلي على أحد، ولن تصمد أمام أي محاججة منطقية وليست في صالح رئيس دولة عظمى يتخذ قراراته بتأثير صورة قد تكون ملفقة”.

وأضاف “فالمعروف أن الجيش السوري حقق انتصارات عظيمة على التنظيمات الإرهابية وحرّر حلب وتدمر ومناطق أخرى في الأشهر الأخيرة بأسلحته التقليدية ودون الحاجة إلى استخدام السلاح الكيمياوي المحرم دوليا، فلماذا يخلق الأسد لنفسه هذه المشكلة ليعطي الذريعة لأعدائه باستغلالها لتأليب الرأي العام العالمي ضده في الوقت الذي يجد الإرهاب تقهقرا وانحسارا في كل من العراق وسوريا؟”. وقال “نعتقد أن فيلم الغازات السامة تمت فبركتُه لإقناع ترامب بتغيير موقفه من الأسد وتدخله لإجهاض النصر على الإرهاب وإعادة السيناريو الليبي وتحويل سوريا إلى أفغانستان ثانية بغية إكمال تدمير البلاد العربية”.

هذا هو ملخص منطق الغاضبين على ترامب والباكين على مؤامرة “إكمال تدمير البلاد العربية”.

ونسأل أخانا الكاتب الغاضب الغيور على قاعدة الشعيرات هذا السؤال؛ أين كان قلمه السيّال طيلة السنوات الخمس الماضية وهو يرى سوريا تتحول إلى خرائب، وأشلاءُ أطفالها ونسائها وشيوخها متناثرة تحت الأنقاض بقنابل جيوش الروس، وبراميل المناضل بشار الأسد، وسكاكين “أحفاد” الحسين الراقصين فرحا بالثأر من أحفاد يزيد على الدبابات والمصفحات الإيرانية تحت راية القائد البطل قاسم سليماني؟

ثم، ألم ينتفض فرحا، بالأمس، هو ذاتُه، ومعه من أمثاله كثيرون، فكتب العشرات من المقالات والتحليلات يوم غزت أميركا العراق بمعاونة إيران ووكلائها العراقيين الذين يذرفون الدموع، اليوم، على شرعية سوريا المستقلة ذات السيادة، ويدعون للرد على العدوان الأميركي الصارخ على القانون الدولي بكل سبيل ووسيلة؟

ألم يكن يرى في نوري المالكي، ومازال حتى اليوم، وبرغم كل ما انكشف من طائفيته ودكتاتوريته، المهاتما غاندي ونيلسون مانديلا والجنرال شارل ديغول وماما تيريزا؟

خلاصة القول، إن صواريخ ترامب على قاعدة الشعيرات كانت بردا وسلاما على سوريا العربية الصامدة، كما تمنى ودعا أحد “العروبيين” الأشاوس، ولم تكن أكثر من وخزة خفيفة عابرة على جسد الدولة السورية الذي تحمّل ومازال يتحمّل أطنانا من الصواريخ والقنابل والبراميل المتفجرة كل يوم وكل ساعة حتى صح عليه قول المتنبي الخالد:

رماني الدهرُ بالأرزاءِ حتّى ** فؤادي في غشاءٍ من نِبالِ

فصرْتُ إذا أصابتني سِـهامٌ ** تكسرت النِّصالُ على النِّصالِ

المصدر : العرب 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى